لأنَّ للنقود بُعداً ثقافياً، وتوثيقاً تاريخياً، ووجهاً إبداعياً خلاّقاً، ودَوراً موحِّداً جامعاً مشترَكاً بين أهلها، عمِلَ جورج زعني على تنظيم معرضٍ في بهو المصرف المركزي حول النقود اللبنانية، وَرَقِيِّها ومعدَنِيِّها، تحت عنوان: “سيرة الليرة”، ثم عَمِلَ على جمع وثائق ذاك المعرض في هذا الكتاب الأنيق الإخراج، الرصين الشكل والمضمون، في عنوان “قُروشٌ من الفردَوس”، من 112 صفحة قطعاً عريضاً، متضمّناً صوراً للنقد اللبناني منذ السنوات البعيدة حتى اليوم. مستهَلُّ الكتاب مقولةٌ للكاتبة الإنكليزية أََفْرا بِنّْ أنّ “للمال معنى في لغةٍ تفهمها جميع الأُمم”، وخاتمة الكتاب هذه المقولة: “المال لا يؤسس لفكرة، لكنّ الفكرة تؤسس للمال”.
في الكتاب عشرة فُصولٍ تزيِّنُها وثائقُ وصُوَرٌ وتفاصيل من أوراق نقدية بعضُها شائع وبعضها الآخر ضاع في النسيان. تتصدّر مقدمةَ الكتاب صورةٌ من سنة 1935 نَقرأُ عليها: “بنك سوريا ولبنان الكبير – ليرة واحدة – تُدفع لِحاملها شِكّاً على پاريس أو مرسيليا، وقيمة الليرة عشرون فرنكاً – بيروت في أول شباط 1935 – كلُّ من زوّر أو قلّد أوراق البنك أو اشترك في ذلك أو أصدر أوراقاً مزوّرة أو مقلَّدة، يُعاقَب وفقاً للقوانين المرعية الإجراء”.
وعلى الورقة توقيعُ المدير العام ومعاونِه وكلاهما فرنسيّ.
وفي المقدمة كذلك صوَرُ نقود معدنية محفور عليها “دولة لبنان الكبير”.
تتوالى فصول الكتاب: لمحةٌ عن نقود لبنان القديم، نقودُ لبنان الحديث منذ دولة لبنان الكبير فدولة الاستقلال وتعيين رياض الصلح وزيراً للمالية إلى كونه رئيس مجلس الوزراء، فصلٌ عن وزراء المالية في لبنان منذ أوغست باشا أديب سنة 1926، فصلٌ عن نشأة مصرف لبنان بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1 آب 1963 وتعيين فيليب تقلا أول حاكم عليه في 28 آب 1963، فصلٌ عن تواقيع حكّام مصرف لبنان المتتالين: فيليب تقلا، الياس سركيس، ميشال الخوري، إدمون نْعيم، ورياض سلامة ونواب الحكّام، فصلٌ عن نشوء جمعية المصارف في لبنان سنة 1959 وانتخاب بيار إدّه أول رئيس عليها، فصلٌ عن فئات النقود اللبنانية: منذ القرش المثقوب سنة 1925، مروراً بنصف القرش سنة 1934، والليرة الورقية الأُولى الصادرة عن مصرف سوريا ولبنان الكبير سنة 1925، فالليرة الورقية الأُولى الصادرة عن بنك سوريا ولبنان سنة 1939، فالليرة الورقية الأُولى الصادرة عن مصرف لبنان سنة 1968.
ويلفت في صُوَر النقود احتواؤُها على معالم أثرية من لبنان: قلعة المسيلحة، صخور نهر الكلب، معبد جوبيتر في بعلبك معبد قلعة فقرا، جسر نهر الكلب القديم، إلى معالم أخرى انقرضَت اليوم لكنها محفورة في البال على ورقة نقدية زالت من التداول لكنها لم تَزُل من ذاكرة نقودٍ لبنانية هي فعلاً قروشٌ من الفردوس كما هو عنوانُ هذا الكتاب الجميل الأنيق الذي يَحسُنُ وجودُه في كل بيت، شهادةً على ليرة لبنانية تفرَّعت إلى فئات نقدية لكنها لا تزال جامعةً وَحدة النقد اللبناني الذي يجتمع عليه اللبنانيون
لأنه يجمع بينهم أينما كانوا، على كلّ أرض وتحت كلّ سماء.