الحلقة 988: كلَّ يومٍ وأنتِ أُمّي
الأربعاء 23 آذار 2011
كانت الصبيّةُ الأميركية آنّا دْجارْڤِس تسمعُ أمَّها تردّد غالباً رغبتَها في إحياء عيدٍ للأُمّ رسمي وطني.
لكن الأُمّ غابت سنة 1905 دون تحقيقها هذه الرغبة فقامت ابنتُها آنّا بدءاً من أيار 1907 بِحملةٍ وطنيةٍ واسعةٍ أثْمرت تحقيق الحلْم سنة1914 يوم صدَّقت الحكومة الأميركية على قانونٍ يجعل ثاني أَحَدٍ من أيار “عيد الأم” رسمياً وطنياً تحتفل به الولايات المتحدة كل عام.
درَجت العادة منذئذٍ بأن يضع المعيّدون قرنفلةً في عُروة الثوب احتفاء بِهذا اليوم الوطني.
وسرعان ما توسّعت الدُّرجة حتى قامت وزارة البريد الأميركية سنة 1934 بإصدار لوحة “الأُم” للرسام جيمس وِسْتْلِر على طابع خاص بالمناسبة، وفي زاوية الطابع اليسرى إناءُ قرنفل.
غير أن صاحبة فكرة العيد، آنا دْجارْڤِس، اعترضت لدى الوزارة بِحُجّة أنّ عيد الأُم “تَتَجْرَنَ” وأَصبح فرصةً استهلاكية لبائعي الزهور، فرضخَت الوزارة لاعتراضها وألْغَت إناء القرنفل عن الطابع.
هكذا انطلق عيدُ الأُم رسمياً في أميركا وهكذا انتشر.
وكان معروفاً منذ الإغريق الكانوا يحتفلون بتكريم رِيَا والدة زوس كبير الآلهة، كما كان الرومان يحتفلون به في الأول من آذار عيداً دينياً ذا طقوس خاصة. ولاحقاً دَرَجَ العيد في القرن الخامس عشر مع الإنكليز في الأحد الرابع من أيار، لكنهم عادوا فنقلوه مع الأميركيين منذ 1914 إلى الأحد الثاني، واعتمده الألمان عيداً رسمياً بدءاً من 1923 ثم انتشر العيد نهار الأحد نفسه في بلجيكا والدانمارك وفنلندا وإيطاليا وتركيا وأستراليا. واعتمدتْه فرنسا بدءاً من 1950 في الأحد الرابع من أيار عيداً رسمياً وطنياً.
وهكذا، من فكرةٍ لاحَقَتْها وحَقَّقَتْها صبيةٌ أميركيةٌ ليصبح عيد الأم يوماً رسمياً وطنياً، انتشرت الفكرة في العالم تكريماً للّتي حياتُها كلَّ يومٍ عيدٌ لأولادها وأُسْرتِها والوطن.
وإذ لا يحتفلُ العالم كلُّه بعيد الأُم في يومٍ واحدٍ بل يختلف بين بلدٍ وآخَر، يَبرُز معنى العيد كبيراً عندنا، أن نحتفل به في الحادي والعشرين من آذار تَوَازِياً مع أوّل الربيع، لتشتدَّ الصلةُ بين إطلالة الربيع (زهْوِ الطبيعة وخصبِها الجليل)، وطلّة الأُمّ (زهْوِ الحياةِ وخصْبِها الجميل).
الطبيعةُ هبةُ الله للإنسان، والأُمُّ هبَةُ الطبيعة من الله.
وما أغلى الهبَتَين تُعْطَيَان على اسم الحب.
الحبُّ الحقيقيُّ هو الذي يُعطى بدون حدود.
الطبيعةُ حُبّ. والأُم حُبّ. والحبيبةُ حُبّ. وكلُّ حُبٍّ إلى تَمجيد.
الطبيعةُ أُمٌّ تَلِدُ الربيعَ من أحشائها، وتَهِبُهُ للإنسان.
والأمُّ طبيعةٌ تَلِدُ طفلَها من أحشائها، وتَهِبُهُ للحياة.
والحبيبةُ أُمٌ وطبيعةٌ معاً، تَلِدُ حبيبَها من حنانها، وتَهِبُهُ من نبضِها العاشقِ ربيعَ العمر وفرحَ الحياة.