حرف من كتاب- الحلقة 4
أمثالُ أُمّي”- الباحثة اللبنانية هناء الصّمَدي نعمان
الأحد 6 آذار 2011

         في سِفْرٍ ضخمٍ من 668 صفحةً حجماً كبيراً، تَمَكّنَت الباحثة اللبنانية هناء الصّمَدي نعمان من جمع 3344 مثلاً لبنانياً وعربياً مع شرحها وتفسيرها وذكر مصادرها، في هذا الكتاب المرجع الصادر في الفرنسية عن منشورات غوتنِر في باريس. عنوانُه: “أَمثالُ أُمي” (Les Proverbes de ma mère). لذا كان طبيعياً أن تُهديه المؤلّفة إلى أُمّها ذكرى الماضي، وإلى ابنتها رُبى ذاكرة المستقبل. وبين الذكرى والذاكرة تُصَدِّر الكتاب بأنه “أمثالٌ من لبنان وما يرادف معناها في أمثال العالم”، وكثيراً ما أوردَت في الكتاب المثلَ اللبناني فإذا برديفه الأجنبي قريبٌ منه أو هو نفسُه تركيباً ومدلولاً في اللغة الأجنبية.
في مقدِّمتها تشير إلى أنّ “الأمثالَ هي ذاكرةُ المجتمع الجَماعية، متحدِّرةٌ إلينا من آبائنا وأجدادنا… ومن واجبنا أن ننقلها إلى أجيالنا الجديدة علَّها تعي منها غنى تراثنا الشفوي العريق”.
تُعدّد المؤلّفة ما في هذه الأمثال من حكمةٍ وتوعيةٍ وثقافةٍ وغفرانٍ وسماحٍ وتنبيهٍ وخبرةٍ ونصائحَ تُرشد من يتَّعظ بها فتعصمُه من كثير زلَل، هي الآتيةُ ثمرةَ حكمةٍ طويلة أو مشاهداتٍ يومية أو تجربةٍ متكررة، من هنا امتلاؤُها بنُضج أجيال، فهي ليست منطقَ فردٍ بل خبرةٌ جَماعيةُ المصادر من فئاتٍ شعبية أو قصصٍ اجتماعية أو رواياتٍ تراثية أو من أسفارٍ وكتبٍ وحكماء. ولم تورد المؤلّفة تلك الأمثالَ شقْعاً أو سرداً أو اصطفافاً أفقياً، بل بَـوَّبَـتْها – وفْق مواضيعِها ومدلولاتها – في تسعة فصول:
الإنسان وسلوكه، العلاقات الإنسانية والاجتماعية، الحياة البيتية، نماذج التصرف، الممتلكات والمبادلات، الطبيعة، الوطن، الأخلاق والحكمة، الله والروحانيات.
وزيادةً في الدقّة الأكاديمية، أَتْبَعَت فصولَها التسعةَ بِبيبليوغرافيا مفصَّلة لمراجعها الفرنسية والإنكليزية والعربية، وبفهرس أبجدي للُّغات الأجنبية الواردة في الكتاب، وبفهرس آخَر للكلمات المفاتيح في العربية والفرنسية، ما يجعل هذا الكتاب مرجعاً ضرورياً لكل باحثٍ في هذا الشأن اللغوي أو الشعبي.
نفتح الكتاب فنضيعُ في كنوز تراثنا الشعبي الشفوي، ويتهاطَل إلى ذاكرتنا ما اعتدْنا سماعه من والدةٍ خبيرة أو جدة رشيدة أو جارة ختيارة تحفل زياراتها بالحِكَم والأمثال: “البقره السَودا بتْدرّ حليب أبيض”، “ما كلّ مْكَبْتَل جوز، ولا كلّ مطاوَل موز”، “الليل سَتّار العيوب”، “العتَب عَ قد المعرفه”،”نام زعلان ولا تنام ندمان”، “صاحبك الـ بدك تبقّيه، لا تاخد منو ولا تعطيه”، “الحب أعمى والأعمى أعمى القلب”، “يلّي ما بيحترم نفسو ما بتحترمو الناس”، “الْمَيّ بتكذِّب الغطّاس”، “دارِهم ما دمتَ في دارِهم وأَرضِهم ما دمتَ في أرضِهم”، “قالو للكذّاب: احلُف يمين، قال إجاني الفرج”، “النبي وصّى بسابع جار”، “زلّة قَدَم ولا زلّة قلَم”، “كترة الكلام ما بْتِخْلى من الملام”، “يلي خيّطِتْ ما عِرْيِتْ ويلي دَبَّرِتْ ما جاعت”، “كلّو منافع متل زيت الغار”، “كُول قبْلما تْجوع، وقوم قبْلما تشبع”، “إرحموا مَن في الأرض يرحَمْكُم مَن في السماء”، “المصيبه متل الصابونه أوّلها كبيره وآخرها زغيره”، “إعمَل لدنياكَ كأنك تعيش أبداً واعمَل لآخرتكَ كأنك تَموت غداً”، …

وهكذا يَحفَل هذا الكتابُ الغنيُّ بِمئات الأمثال وما يعادلها في لغات الآخرين وعاداتهم وتقاليدهم، تُورِدُها هناء الصَّمدي نعمان مُسَجَّعَةً مُقَفّاةً كما وردَت من جذورها، على عادة الموروثات الشعبية الشفوية التي تتعمَّد السَّجَع تسهيلاً لحفظها.
كتاب “أمثالُ أُمي” سِجِلٌّ رصينٌ لمجتمعنا الشعبي، فيها حكمةُ من أَتَوا، ضوءٌ لِمن سيأتون، وزادٌ لأجيالٍ تكتَنِزُ منها لأيامها المقبلة ما كان خبزاً يومياً لذاك الأمسِ المعجونِ بقمْح الحكْمة وخَميرة الخِبرة الطويلة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*