الحلقة 986: من الظِّلّ إلى الحياة
الأربعاء 9 آذار 2011
في “يوم المرأة العالَميّ”، أمس الثلثاء 8 آذار،
تَهاطَلَت علينا الندواتُ والأحاديثُ والمقابلاتُ والمقالاتُ والمؤتمراتُ والاحتفالاتُ واللقاءات
للتذكير بِدَور المرأة،
وما لَها من وُجُوبِ المساواة والعدالة
والحقوق والنموّ والاستقلال والسلامة
والحرية والتحرُّر والتعلُّم والعمل
والاحترام والاقتراع والترشُّح
وما إليها من مكتسَباتٍ بديهيةٍ وطبيعيةٍ وإنسانية.
على أن لفتةً مُهِمَّةً ضروريةٌ نحو المرأة، لا في يومها العالمي نهار 8 آذار فقط، بل في صورةٍ مستدامة.
إنها لفتة الكرامة.
كلُّ ما عدَّدناه، ويُمكنُ بعدُ أن نُعدِّدَهُ من حقوقٍ للمرأة، لا يَفيها حقَّها الكامل إن لم يقترن بالكرامة:
كرامتِها الشخصية،
وكرامتِها المجتمعية،
وكرامتِها المهنية،
وكرامتِها الإنسانية.
ومن هذه الكرامة حريَّتُها في اختيار ما يناسبها،
حريتها في الرفض والقبول،
حرية انْخِراطها في الأحزاب والعمل السياسي،
حريتها في أن تقول “نعم” وتقول “لا”.
يدفع اليوم إلى هذا الكلام ما نعايِنُه من مشاركةٍ حُرّة للمرأة في تظاهرات تُزَلْزِلُ أنظمةً عربية كانت حتى الأمس القريب أنظمة قمع وتوتاليتاريا.
وبخلاف هذه المشاهد الإيجابية في حقِّ المرأة،
تلفت ظاهرةٌ سلبية لدى صبايا يَتَخَيَّرُهُنَّ الرئيس الليبِيّ لِحراسته وحمايته،
مُتَباهياً بِهِنَّ حولَه،
مُلْبِساً إياهنَّ البِزّة العسكرية،
وفي ظنِّه أنَّهنَّ مُتحَرِّراتٌ مُحَصَّناتٌ لأن القائد اختارَهُنَّ لِحراسته الشخصية.
غير أنّهُنّ، في واقع الحال،
مُنسَحِقاتٌ إليه،
مُنْحنِياتٌ لِخِدمته،
مَمْحُوَّاتٌ أمامه،
مُسْتَلَباتٌ في حضرته،
ولو انّهُنّ في لباس الفارسات الْمُحاربات.
فهل هؤلاء في حرية الخِيار أم في عبودية القرار؟
وهل حرية هذه: أن يكنَّ ظلاً ولو لقائد؟
ورغم الصورة المشْرقة التي يظْهَرنَ فيها لابساتٍ هذا الزيَّ، مُدجَّجاتٍ بالسلاح، مُدَرَّباتٍ على القتال:
أيُّ مصيرٍ ينتظرهُنَّ بعد تسريْحِهنّ من الخدمة؟
أيُّ حياةٍ استلابيَّة عِشْنَها في ظلّ القائد، ولم يَكُنَّ أكثر من ظلال مَمحُوقةٍ مَسحوقةٍ أمام قامته الماحقة الساحقة؟
كيف يُمكن وصفُ هذا الالتزام المهنيّ النسَوي بالامّحاء اللاغي أمام الحضور الطاغي؟
ماذا عن عائشة التي، في 12 حزيران 1998، ارتَمَت فوق القائد كي تَحميه من الموت حين انْهَمَر عليه الرصاص، فسقَطَتْ صريعةَ رصاصاتٍ حارقةٍ مضرجةً بدمائها، وأنقذَت القائد الذي أكملَ موكبه سالِماً فيما حَمل مرافقوه سبْعَ صبايا أُخْرياتٍ أَصابتْهُنَّ جروح الرصاص المعتدي، وهُنَّ مبتسماتٌ لأنّهنَّ نَفَّذْنَ قَسَمَهُنَّ أمام القائد بأن يَفتَدينَهُ بِحياتِهِنَّ ليُنْقِذْنَ حياتَه.
سنة 2004 صدر في نيويورك فيلم وثائقيّ بعنوان “ظلال القائد: الصبايا حارساتُ القذافي” للمخرجة الأميركية اللبنانية الأهل رانيا عجمي.
وفي حديث لها يومئذٍ إلى “نيويورك تايمز” (17 حزيران 2004) تساءلَت:
– “أيُّ مستقبل ينتظر هؤلاء الصبايا بعد انقضاء حُكْم القذافي؟
وهل لَهُنَّ فعلاً مستقبلٌ حين لَن يَعُدْنَ ظلالَ القائد”؟
اليوم، بعد سبع سنوات على الفيلم وحديث مُخْرجته،
وسط الأوضاع المتوتِّرة في ليبيا ورئيسها يترنَّح ويتهاوى،
وحراسةُ بضْعِ صبايا حولَه يَحمينَه، لم تعُد تُجْديه أمام زحفِ شعبٍ كاملٍ على عرشه،
نعيد التساؤل ذاته:
– “أيُّ مستقبلٍ ينتظر هؤلاء الصبايا
حين يَجيءُ يومٌ لا يَعُدْنَ فيه ظلالَ القائد،
إذا القائد ذاته لم يعد موجوداً
ولم تعُدْ له طلّةٌ
ولم تَعُدْ له ظِلال”؟