975: لا تُعطني الناي… ولا تُغَنِّ

الحلقة 975: لا تُعْطني الناي… ولا تُغَنِّ
الأحد 16 كانون الثاني 2011

في حديثٍ شريفٍ أنْ “كُلُّكُم راعٍ، وكلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّته”.
وفي حديثٍ شريفٍ آخَرَ أنَّ النبي محمد، عليه الصلاة والسّلام، سُئِلَ يوماً عن أَحَبِّ المؤمنين إليه فأجاب: “أَحَبُّ المؤمنين إلَيّ، مَن يسعى لرزقه ورزق عياله”.
وفي إنجيل يوحنا على لسان المسيح أنَّ “مَن يَدخُلُ إلى حَظيرة الخِراف من خَلْف السُّور لا مِن الباب، هو لصٌّ وسارقٌ وأجير. الراعي الصالح يَبذُل حياتَه عن خِرافه، أمّا الأجيرُ فإذا رأى الذئبَ مُقْبِلاً يَتركُ الخراف ويَهرُب فيخطَفُها الذئب ويُبدِّدها”.
في هاتين الفِلْذتين من الحديث الشريف،
وفي ما رواه يوحنا عن المسيح،
عبرةٌ بليغةٌ لكلّ مُعتَبِرٍ ومُتّعِظٍ ومسؤول.
فهذه هي الرعايةُ الحقيقيةُ المسؤولةُ للراعي على رَعيّته،
وهذا هو الراعي الجديرُ برعاية شعبه وإيصاله إلى الأمْن والأمان.
هذا الراعي المسؤول ما أبعدَهُ عن ذلك الراعي الذي يتغنّى به بعضُ الشعراء والعاديين من الناس،
حاملاً نايَهُ، وقاعداً ينفُخ فيه تحت شجرة،
تاركاً مواشيه ترعى في البراري كيفما اتّفق،
وهو يراقبُها من بعيد،
وقد يغفو في قيلولةٍ مغموراً بنسيم الجبل،
وعند المساء يَضَع نايَهُ أو مِزمارَه في عُبّ زوّادته، ويجمع قطيعه ويَعود به إلى الحظيرة.
هذا راعٍ حياديٌّ غيرُ فاعل. لا نريد أن نعطيه نايَاً ولا أن يغنّي.
الرعايةُ المسؤولةُ لا تكون بالحياد تحت شجرة، وبتَرْك المواشي ترعى وحدها مُعرَّضةً لمداهمة الذئب.
الراعي الذي يردِّد “أَعطني النايَ وغَنِّ فالغنا سِرُّ الوجود”
ليس أهلاً إلاّ لرعاية المواشي، ولا يمكن مَن كان حيادياً مثلَه أن يرعى رعيّته وشعبه.
الإيمانُ لا يكون بالجلوس أو الوقوف أو الركوع في صلاة حيادية، بل في الفعل الذي يترجم الإيمان.
الراعي المسؤولُ يَرعى مصالح شعبه،
ويَقود رعيّته إلى الأمان والاستقرار والعدالة والمساواة بين الجميع.
الراعي المسؤولُ عن رعيّته يَتقدَّمُها في المخاطر،
ويَبذُل نفسَه قبلَها عند دهْم الأخطار،
فلا يَهرُب ولا يَتَهرَّب.
والمواطنون ليسوا مواشي غنمٍ ولا بقَرٍ ولا ماعزٍ
يقودُهم راعيهم بعصاه إلى حيثما يشاء من البراري المجهولة،
يوجِّههم بزمّورٍ أو كبسةِ زرٍّ أو تصريحٍ أو قرارٍ يأْمُرُهُم به بعد اجتماعٍ أو لقاءٍ أو منبر،
أو يتسلّل به من خلف أسوار تبريرٍ ملغومة.
الراعي المسؤول، ذو ضميرٍ مسؤولٍ وإيجابيةٍ وانفتاحٍ ورَحابةٍ وعَمَلٍ شاقٍّ مُضْنٍ في جميع الاتجاهات،
ويأْخذ أَبناءَ شعبه لا حيثما يشاء هو،
بل إلى حيثما يجب أن يكونوا في طمأنينة وأمان.
فللناس مَصالِحُ وحرياتٌ وكرامات،
ولا يُساقون هكذا بعصا الراعي،
ولا بقرارِ مسؤولٍ يُقَرِّرهُ عنهم
ويأمُرُهُم بطاعته في خطابٍ مُتشنّجٍ مُتوتّرٍ
فيأخُذُهم إلى المهاوي والمواجهة والرأس المكشوف والبيت المكشوف والوطن المكشوف على جميع الأخطار.
هذا ليس راعياً، بل “لصٌّ وسارق” على ما قال السيّدُ المسيح.
الراعي المسؤولُ لا يوفّر مُحاولةً إلاّ ويأتيها، لِخِدمة شعبه وأمان مواطنيه.
هكذا لا تعودُ سائدةً تلك المقولةُ المألوفةُ “هنيئاً لِمَن له مرقدُ عنزةٍ في لبنان”،
بل تَسودُ مقولةُ “هنيئاً لِمَن له مرقدُ راحةٍ وأمانٍ وطمأنينةٍ، له ولأولاده، في مستقبل لبنان”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*