968: هذا النور الآتي من السماء!!

الحلقة 968: هذا النور الآتي من السماء !!!
الأربعاء 22 كانون الأول 2010

على مفرَق بيتي مزار.
يطالعني كلما دخلتُ في طريق بيتي أو خرجتُ مُغادراً،
وأُطالعُه غالباً: على مركعه مؤمنون يصلّون صامتين مبتهِلِين أو مرتِّلين مرنّمين.
غُروبَ أمس الثلثاء، وأنا داخلٌ إلى بيتي، لفتَتْني على مركع المزار جارتي العجوز،
متكوِّعةً على ذاتِها في انْخطاف الصلاة،
متكوِّمةً على جسدِها الضئيل،
منحنيةً حتى غَرْسِ وجهها في قفصها الصدري،
غائبةً عما وعمّن حولَها، إلاّ عن شمعةٍ وحيدةٍ قبالتَها لا بُدَّ أنها أضاءتْها قبل استسلامها الى المركَع،
وغيابِها إلى رُكوعٍ يرسمُ صورةً نقيةً لزمن الميلاد.
وبلمعةٍ عجلى، تراءت في بالي احتفالاتٌ في جميع أنْحاء العالم لإضاءة شجرة الميلاد،
وما يصاحبُها من بَهرجةٍ وفرحٍ ورمزية عيد،
وعجقةِ مُحتَفِلين وزَوغة أولادٍ وكاميراتِ صحافةٍ وتلفزيونات ووكالات أنباء،
وقارنتُها بجارتي العجوز المزروعةِ على مركع المزار منعزلةً عن بَهارج الأشجار الصّناعية المضاءة،
خاشعةً إلى صمتها العميق تَتماوج تَرَدُّداتُه مع تَماوج نورِ الشمعة الوحيدةِ أمامها تلاعبُها نسمةٌ من مسويّات كانون.
وإذا كان طبيعياً، وربّما ضرورياً، كلُّ احتفالٍ بإنارة شجرة الميلاد في مهرجانٍ علنيّ،
لتكون الشجرةُ رمزاً للمخلّص الموعود في زمن الخلاص الإيماني والإنساني والوطني،
فالاحتفالُ الحميمُ بإضاءة شمعةٍ وحيدةٍ رمزٌ متقشِّفٌ للطفل المخلِّص الآتي الى الأرض من عرش السماء،
لا مُتَوَّجاً بأُبَّهَة الملوك، بل مولوداً في مغارةٍ صغيرةٍ متقشِّفة،
دلالةَ أنّ الإيمان ليس ضرورياً أن يشعّ في شجرةٍ كبيرةٍ عاليةٍ مزنّرةٍ بشلاّلات الأنوار الكهربائية،
بل قد يكون مُجمَّعاً في رِعشة شمعةٍ وحيدةٍ تَحرُس تَمتَماتِ صلاةٍ تبتهلُ بها سيّدةٌ مؤمنةٌٌ صادقةٌ كجارتي العجوز.
فلْنحتفلْ ما وَسِعَ الاحتفال لنا بإضاءة أَشجار الميلاد في الساحات العامة ونواصي المدن والقرى،
ولْنبتهِجْ بها جهاراً مع الجميع،
إنّما، قبل كلّ ذلك، فلْنُضِئْ شمعةً في قلبنا، زمنَ الميلاد،
تكون صدىً طيِّبَ الأَرَج لهذا النور الآتي من السماء، يضيءُ طريقَنا فنمضي إليه،
لرُبّما في سلوك هذا الطريق نَهتدي جميعاً الى خلاص هذا الوطن الباحث عن خلاص.
فليحملْ كلٌّ منا شمعةً يُشعِلُها في قلبه قبل موطئ الشمع،
لعلَّ شمعةَ القلب تردَعُ الكثيرين عن إشعال فتيلٍ مربوطٍ ببرميل بارودٍ حين ينفجرُ يُحرق مُشْعِليه،
ويُحرقُ معهم… أمانَ الوطن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*