الحلقة 965: درس قواعد
الأحد 12 كانون الأول 2010
بين دُروس قواعد اللغة العربية عند مطالع المرحلة الابتدائية، يَدرُسُ التلامذة في فصلِ “النَّكِرَة والمعرفة”، أنّ الاسم المعرفة هو الْمُعرَّف بـ”أل” التعريف، وأنّ النكرة هو الاسم غيرُ الْمُعرَّف بـ”أل” التعريف، كأن يقرأَ التلميذُ مثلاً أنّ “الباب” اسمٌ معرَّفٌ بـ”أل” لأننا ندُلُّ على بابٍ مُعيَّنٍ نَعرفه، وأنّ “باب” اسمٌ نكرة لا يدُلُّ على بابٍ معين بل على أيّ بابٍ كان.
ويَمضي التلامذةُ، طَوال مراحلهم الابتدائية والمتوسطة والثانوية، مُدركين الفارقَ التعريفيَّ في الأسماء بين النَّكِرة والمعرفة.
غير أنهم، مع مرحلتِهم الجامعية وتالياً مع دُخولهم الحياةَ العامة خلال الجامعة فبَعدَها، يكتشفون أن النَّكِرة والمعرفة ليسَتا قاعدةً للأسماء وحسْب، بل تنطبق أيضاً على أَصحاب الأَسماء، أَيْ على الأشخاص.
فبَين الناس أشخاصٌ كثيرونَ معروفون لكنهم نكِرة: لا يَتَميَّزون بأَيِّ عملٍ، بأَيِّ فكرٍ، بأَيِّ موقفٍ، بأَيِّ حُضورٍ، ولا يُصبِحون معرفةً مهما زادوا على أسمائهم أو ألقابهم أو مواقفهم مجموعاتٍ من “أل” التعريف، ومهما حاولوا أو جَهَدوا أو تَحَرّكوا لينتقلوا من النَّكِرة الجامدة الى المعرفة المتحركة. فالنَّكرةُ، التي هم منها، هي من خصائص الشيءِ الجامد، غيرِ المتحرِّك، وهو لا يُعطي شيئاً ولا يُؤْخَذ منه شيء.
وتالياً يَعتقد هؤلاء النَّكِرة أنهم، إذا تَحرَّكوا في مَجالٍ أو طرَحوا قضيةً رافعين الصوتَ مهدِّدين، يستحقُّون عندها إضافة “أل” التعريف إلى اسمهم وتالياً الى شخصهم غيرِ الكريم.
وواضحٌ هنا أنهم مُتَعامُون عن الحقيقة والواقع،
ولا يُدركون أنّ المعرفة ليست في مُجرَّد إضافة “أل” التعريف إلى الأسماء والألفاظ والعبارات والمناصب،
بل هي في جوهرِ الشخص، وإثباتِ وجوده، وفعْلِ حضوره، وتأثيرِ فكره، ونتيجة اهتماماته، وصدى أعماله بين أفراد مجتمعه.
من هنا نُعلن إِدانتَنا الشديدةَ لـ”أَل” التعريف، ونُسقِط عنها كلَّ ما جاء في القواميس وفي دروس القواعد،
إذا هي رضيَت أن تكون تعريفاً بأولئك النَّكِرة،
النَّاكِري الجميل،
الْمُنْكَرِين من مُجتمعهم،
الْمُستَنْكَرين على كلّ صعيد،
الْمُستَنْكِري كلَّ معرفةٍ وطنيةٍ مُخْلِصةٍ أمينة،
لأنهم – مهما فعَلوا – لن يُصبحوا معرفة ولا يَحُقُّ لهم أن يكونوا معرفة،
ولأنّ معرفتهم بالوطن والوطنية مُنْكَرَةٌ مزيَّفة،
ومهما لِتأكيد حضورهم رفعوا “أَل” التعريف بِرَفْع الصوت،
سيظلُّون نَكِرَةً
لأنهم أَنكروا الوطن
وتنكَّروا لشعبِ الوطن
واستنكروا مستقبلَ الوطن،
ولا بُـدَّ، تعريفاً لنُكرانهم، أن يُنْكِرَهُم ضميرُ الوطن.