الحلقة 958: بين امتلاء الشوارع وفراغ الأبواب
الأربعاء 17 تشرين الثاني 2010
في هذه الأيام الأَضْحَوِيَّة المباركة، تُطالعُنا الأخبارُ عن زحمةٍ في الشوارع تَملأُ الطرقات والأحياء والدساكر، مقابل خواء في المحالّ التجارية يُشير الى فراغٍ على أبوابها وانتظار.
وبينما العيدُ بهجةُ الصغار ورهجةُ الكبار ومورد التجّار، لا يبدو ذلك بيِّناً هذا العام، أقلَّه في معظم الأحياء والمدن الصغرى والنواحي الشعبية وبعض العاصمة، ما يشير الى ضائقتَين: أُولى لدى المواطنين غيرِ المتمكِّنين من إشباع أحلام صغارهم بهدايا العيد، والأخرى لدى أصحاب المحالّ الذين كانوا ينتظرون العيد كي يُحرِّك العيد دورتهم الاقتصادية.
وما نقوله عن هذه الأيام الأَضْحَوِيَّة المباركة، لاحظناه مؤخَّراً في معرض الكتاب الفرنكوفوني حين كثُرَ الزوّار المارّون وقلّ الشطّار الشارون، وسوف نُلاحظه كذلك، في الظروف نفسِها والمشهد نفسِه، قريباً مع أعياد الميلاد ورأس السنة. وما نعاينُه من بهرجةٍ في المحالّ الكبرى ليس قاعدة عامة تنسحب على الطبقة الشعبية ومُجمَل الحركة التجارية أو الدورة الاقتصادية في البلاد.
الشاهدُ من هذا الكلام أنَّ الناس في أَزَمَتَين: أزمةِ ضيقٍ ماديّ وأزمةِ تضييقٍ وطنيّ. وهما مترابطتان. فأزمةُ الضيق ناجمةٌ عن التضييق. وما يتابعه المواطنون في وسائل الإعلام يَخرجون منه بِمُحَصِّلةٍ بَيِّنَةٍ واحدة: أن المسؤولين يتجاذبون الحُكْم ليخدُموا مطامِحَهم ويُلَبّوا مطامعَهم ويُؤمِّنوا مَجامِحَهم، تاركين أولويّات الناس، منصرفين الى أولوياتهم السياسيّة والاصطفافيّة والمصلحيّة والفئويّة والارتباطيّة، كأنْ لم يعُد لديهم هَمُّ خدمةِ الناس بل باتَ هَمُّهُم خدمةَ مواقفهم المتشدِّدة المتصلِّبة المتأزِّمة المتوقِّفة على شدّ الحبل الى صوبِهم، والطرفُ الآخر يُمسك به من هُم مقابِلَهُم في شدّ الحبل الى صوبِهم، وما بين الصوبَين يُصَوِّبُون على مصالح الشعب التي ليست من أولوياتِهم، فيصبح المواطنون في اللامكان من اهتمامات المسؤولين، وفي اللازمان من تَحقيق مطالبهم، وتكونُ النتيجةُ ضائقةً اقتصاديةً ليس من يعالجها، وتكون الترجمةُ أن تَمتلئَ الشوارع بالمارّين وتفرغَ المحالُ من الشارين.
وبين أخبارٍ لم تعُد تحمل الى المواطنين سوى تصريح هذا الفريق وأجوبة الفريق الآخر، وأخبارِ شَدّ الحبل بين هذا التيار وذاك التيار، والحبلُ بينهما يشتدُّ على عُنُق الناس، لا يعود العيد سوى تعطيل عن العمل والمدرسة، عوض أن يكون عطلةَ الفرح للصغار يَنعمون بهدايا العيد، وللكبار يتبادلُون الفرح بالعيد، وللتجّار يحمل إليهم العيد حَصاد انتظارٍ طويل.
ومن الآن حتى تعودَ أولوياتُ المسؤولين قضايا الشعب العامةَ لا قضاياهم الخاصة، سوف نَظَلُّ نُشاهد امتلاء الشوارع وفراغ الأبواب، حتى يأتي زمنٌ آخرُ تَفْرَغُ فيه الشوارع وتَمتلئُ الأبواب.