الحلقة 957: ورقُ الخريف وورقُ التخويف
الأحد 14 تشرين الثاني 2010
منذ أواخر أيلول تلبَس الطبيعةُ أزياء الخريف: شجَراً يُبدِّل ما عليه، وورقاً مُذهَّباً أصفرَ يرتدي الغروب ويُغادر الغصن الى كفّ الرصيف، يستريح عليه: دِلْباً من هنا، حَوراً من هناك، أو سائر المتناثر من شجر الطرقات والحقول والبساتين والغابات.
هو هذا ورقُ الخريف الأصفرُ المبشِّرُ بِـحُلول موسمِ الجنى والحصاد لِمَا قبْلَه من أيام الصيف، وموسمِ المونة لِمَا بعدَه من أيام الشتاء.
مبارَكةٌ صُفْرَة أكُفِّه، ورقُ الخريف يُطالعنا بمواعيد الخير والبَرَكَة خَزْناتٍ في معاجننا والبيوت، فأصفرُه وعدٌ بثمارٍ وغلال، يرفَعُه العمّال عن الرصيف كي لا يُعيقَ انسيابَ المياه الآتية الى الرصيف.
غير أنّ بيننا أيضاً ورقاً أصفرَ من نوعٍ آخر، لا جنى فيه ولا غلال.
إنه ورق التخويف.
هنا نحن اليوم:
من ورق الخريف الجميل…
الى ورق التخويف يرفعونه ورقاً أصفرَ من لون وجوههم، أصفرَ من حقد قلوبهم، أصفرَ من ويلٍ به يُهَدِّدون، ومن ثُبُورٍ به يُخوِّفون، ومن أصابعَ ترتفعُ في الهواء وأيدٍ تعلو في الفضاء ولن يتلقّاها أيُّ رصيف.
وإذا من أصفر أوراق الشجر هناك يأتي الخريف، فمن أصفر أوراق الخُطَب هنا يأتي التخويف.
هناك راحةُ البال لِمَوسمٍ خيِّرٍ يهُلّ،
وهنا قلقُ البال لِمواسمَ مُقلقةٍ تَحُلّ.
هناك أوراقٌ صفراءُ من شجرٍ يخلعُ أمسَه ليرتدي جديدَه،
وهنا أوراقٌ صفراءُ من وجوهٍ صفراءَ تلبَس أمسَها مغاورَ وَيْل.
هناك موسمُ خريفٍ واعدٌ بجنى المواسم،
وهنا موسمُ تخويفٍ واعدٌ بحرق المواسم.
هناك زمنٌ مبارَكٌ بمواعيدِ خيرٍ لشتاءِ البَرَكة وبعدَه ربيعُ الصبا،
وهنا زمنٌ ملعونٌ بِمواعيدِ تَهديدٍ لشتاءِ رُعبٍ بعدَه ربيعُ قلق.
وبين خريفِ الطبيعة بِوَرقه الأصفر الملموم، وتخويفِ خريفِهم بِوَرقه الأصفر المسموم،
يقف اللبنانيُّ بين حالَين:
خريفٍ سقطَت أوراقُه الصفراءُ على الرصيف ليحملَها مطرُ الربيع الآتي،
وتَخويفٍ سقطت أوراقُه الصفراءُ على الرصيف لكنَّما… سَيَمحوها مطر الشتاء الآتي.