931: صيامٌ وقداديس

الحلقة 931: صـيـامٌ و قـداديـس
الأحد 15 آب 2010

من مبارَكِ حُلُول رمضان المبارك، أن يَمُرَّ اليوم عيدُ انتقال العذراء مريم الى السماء، وسْط انتقال المؤمنين الى شهر الصلاة والصيام والتقوى.
إنه شهرُ اليُمْن والبرَكات، وإنه عيدُ انتقال السيدة التي كرّمها القرآن الكريم مثلما لا أحد، كما جاء في سورة آل عمران: “قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ”.
وقبل أسابيع، في 25 آذار، كان عيد بشارة العذراء مريم، عيَّد له الوطن كلُّه، مُسلموه ومسيحيوه، احتفاءً بأَمَة الرب التي بشَّرها الملاك جبريل بأن تَحبَل وتلدَ ابناً، كما جاء في سورة مريم: “سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيّا، فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيّا”.
هي ذي رسالة لبنان: يَجمع تحت سمائه عائلاتِه الروحيةَ حزمةً واحدةً من عيشٍ واحد تحت علَمٍ واحد على ترابٍ واحد.
وحين البابا يوحنا بولس الثاني وَسَم لبنان بأنه “رسالة”، لم يَسِمْهُ للمسيحيين وحدَهم بل لأبنائه مسلمين ومسيحيين.
هي ذي رسالةُ لبنان التي يعيشُها شعبُه اليوم: بين رمضانيات الشهر المبارك وطقوسها، وانتقال السيدة العذراء وطقوسها.
وهي ذي القيَمُ الروحيةُ التي عليها يقومُ لبنان، وبِها يتميَّزُ لبنان، وفيها يتفرَّدُ لبنان.
وما نشهده هذه الأيام من خطابٍ سياسيٍّ متشنِّج يقابله خطابٌ سياسيٌّ متشنِّج، لا علاقة له بأهل رمضان ولا بأشقائهم أهل السيّدة العذراء. علاقتُه بِمحدوديّة المساحة السياسية الأرضية، ولبنانُ مساحةٌ روحيةٌ لا يَحُدُّها سوى الإيمان بربِّ العالمين، لا إله إلا هو، الواحدِ الأحد، القُدُّوسِ خالقِ السماء والأرض، كلًَّ ما يُرى وما لا يُرى.
ولبنان الروحِ، روحُ هذا الشرق، بتركيبته الأُعجوبية التي يتفرَّد بها بين أشقائه، وطناً للسماح والتقى، تُوَحِّد بين أبنائه قيَمٌ روحانيةٌ سامية، تعصمُه دائماً من زَلَّة السقوط. فلا رمضانُ هو الصيام وحسب، ولا عيدُ انتقال مريم العذراء هو القداديس وحسب. كلاهما معاً صورةٌ واحدةٌ لإيمانٍ واحدٍ بإلهٍ واحدٍ ضابطٍ جامعٍ الكلّ تحت سماء لبنان، لترتفعَ الصلاة الى الآب الواحد الرحمن الرحيم، فيكونَ خلاصٌ للبنان من خطابه السياسي الزمني المتشنِّج بالفعل وَرَدَّة الفعل، الى خطابه الروحاني المتَّشِح بفعلٍ واحدٍ هو الإيمانُ بالله الواحدِ الذي لا رَدَّةَ فعل له إلا الإيمانُ بالله الواحد.
هكذا فلْتَتَوَحَّدْ مساحتُنا الروحيةُ على العطاء والزكاة، على الخير والبِرّ، على مذبح العذراء، فمريم الإنجيل ومريم القرآن واحدة، وربُّ القرآن وربُّ الإنجيل واحد، إلهٌ واحدٌ ربُّ العالمين في لبنانٍ واحدٍ ضامٍّ أبناءَه جميعاً على مواطنيةٍ صالحة لها ربٌّ واحدٌ في السماء، ووطنٌ واحدٌ على الأرض، لِمن يَرَون ويرعَوُون فيُؤمنون.
وطـوبى للّذين آمنوا ولم يَـرَوا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*