927: سهرة القمر في ليل تافيرنا

الحلقة 927: سهرة القمر في ليل تاڤيرنا
(من تاڤيرنا – جنوب إيطاليا)
الأحد 1 آب 2010

الطريق الحلزونية الضيّقة تنحدر بنا من ڤيلادجيو مانكوزو (على 1400 متر) الى بلدة تاڤيرنا من محافظة كالابريا (على 650 متراً) في دربٍ تَتَأَفْعَنُ بنا وهَداتٍ ومنعطفاتٍ خطرةً على كتفِ وديانٍ سحيقةٍ تَحرس علواتِها أشجارُ صنوبرٍ باسقةٌ كشهقات الصلاة.
نبلغ تاڤيرنا المعجوقةَ بِهيصة العيد.
بيوت الضيعة محصورةٌ في بقعةٍ تحوطها خضرة شاسعة، والبيوت مصفوفةٌ في تنظيم مُدُنيٍّ واضح، تَتَطَربَش بقرميد يعطي الضيعة طابعاً ريفياً جميلاً في هذه المنطقة الجنوبية.
ساحةُ الضيعة صغيرة لا تكفي لقبلةِ عاشقَين. نظيفةٌ، مبلّطة، على ناصيتها تمثالان: أوّل لابن تاڤيرنا الرسام الإيطالي ماتّيا پريتّي (1613-1699) والآخر تمثال “لا پْريما ڤـيرا” للنحات الإيطالي إركولي دْرِيْيِي (1886-1973).
خلف الساحة مدرجٌ للاحتفالات يقود إليه درج طويل حدَّه طريق خاصة للمعاقين.
في صدر الساحة: القصرُ البلدي، على جبينه ساعةٌ كبيرة (تدق كلّ ربع ساعة ليلاً نهاراً)، وفي قلبه متحفان: أوّلُ للأعمال الكلاسيكية (من عصر النهضة الإيطالية بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر)، والآخر متحف الفن المعاصر.
نعم: متحفان في ضيعةٍ من 2700 نسمة، كانت كلُّها حولنا في تلك السهرة التي يحرسها من فوق قمرٌ إيطالِيٌّ شاعر.
الضيعة في عيد. يبدأ الموكب بمسيرةٍ تتقدَّمها فرقةٌ موسيقيةٌ عريسُها الأكورديون، عروسُها التيوبا، والإشبينان الساكسوفون والإيقاع. نسير معاً في درب الضيعة المبلَّطة للمشاة، بين مشاعلَ مشتولةٍ على خصور الحيطان ترتَهجُ تحت قناديلَ يُعرِشُ نورُها على بيوتٍ يطل منها أهل الضيعة ناثرين علينا ورودَ ابتساماتهم. تنتهي المسيرة في كنيسة سانتا كاتِلِينا، حيث غنّت آميليا كوني وصلاتٍ من أغانٍ طقسية مُبَهَّرةٍ بالتراث الهندي، معطَّرةٍ بالمناخ اللاتيني القديم.
نعود الى الساحة. أتعرَّف برئيس البلدية. أسأله عن أربع بلاطات قُدّامنا عليها قصائد. يُجيبني أنّ في الضيعة ثماني كنائس تقود إليها ثماني دروبٍ، واحدةٌ منها تدعى “درب الشعر”، فيها هذه الأربع البلاطات عليها أربع قصائد من الألماني برتولت برخت، الإيطالية آلدا ميريتي، الإيطالي ڤيتو مايدا، والكرواتي جوزيب پوپاتشِك. وجَوَّلني رئيس البلدية في المتحفين، فخوراً بما فيهما من لوحاتٍ وتماثيلَ يُعاينُها سنوياً خمسةُ آلاف سائح وزائر لقاء 3 يورو تساعد على دعم خزينة البلدية.
ينتهي العيد بالضيافة في تقديم كؤوسٍ النبيذ والحلويات توزّعها سيدات الضيعة مضمَّخةً بفرحهِنّ في استقبال الضيوف.
أُغادر تاڤيرنا الهادئةَ الهانئة، ويلفتُني أني لم أَرَ على حيطانها وفي شوارعها وعلى نواصيها صوراً لنائب أو وزير أو زعيم أو سياسي أو إعلانٍ كبير للثياب الداخلية النسائية.
سألتُ رئيس البلدية إذا كان وزيرٌ عادةً يفتتح برعايته عيدهم السنوي، فهزّ برأْسه لامبالاةً، وأجابَني بِـشَفَةٍ واحدة:
– لا يهمُّني هذا الأمر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*