أ ز ر ا ر
كُرمى لعينَي ماري لويز
السبت 3 تموز 2010
– 654 –
قد يبدو غريباً جمعُ الحب والسياسة في معادلة، ولو الى جدلية بينهما. فهُما ليسا متنافرَين كالحب والكراهية، وليسا متناغمَين كالسياسة والدبلوماسية. فهل هما فعلاً بدون تناغُم؟
القصر الأمبراطوري في كومپيينّ (75 كلم شماليّ پاريس) يشهد حالياً أول معرض استعادي لمناسبة المئوية الثانية (1810-2010) لزواج ناپوليون الأول وابنة الثامنة عشرة أرشيدوقة النمسا ماري لويز دو هبسبورغ، وذكرى وصولها الرومنسي الى القصر واحتفالات الزواج وشهر العسل. ويضم المعرض نحو 200 عمل من هدايا العرس الى قطع أثاث الى لوحات ورسوم ومنحوتات وقطع فنية وملابس وحرائر وجواهر (مجموعة من متاحف اللوڤر وڤرساي ومؤسسات ناپوليون، ومن إيطاليا وسويسرا وألْمانيا).
علامة الحب في القصة أنّ ناپوليون اختار هذا القصر لاستقبال زوجته الثانية (تماماً كطقوس استقبال لويس السادس عشر عروسَه ماري أنطوانيت سنة 1770) وحَمَلَهُ شغفه المجنون بِحبيبته الآتية الى أن يأمر بإلغاء مراسم الاستقبال الرسمي في 27 آذار 1810. وكان زواج أمبراطوري (ديني ومدني) فضفاض في قصر سان كْلو، ثم في صالون اللوڤر المربَّع الكبير، واحتفالاتٌ مصاحبة في كل پاريس استمرّت حتى الأول من تموز 1810، والعروس تداري عريسها الأمبراطور العاشق في عز قوّته وشهرته وسلطته. استمرّ شهر العسل في كومپيينّ ثلاثين يوماً كاملة (حتى آخر نيسان) والأمبراطور المهيب خاضع للأمبراطورة العروس وميولها الى الفنون رسماً وتطريزاً وموسيقى وترافقه الى رحلات صيده، مأخوذةً به متذكِّرة ما كانت تسمع عنه من أنه “وحشٌ كورسيكيّ”.
كانت فترة كومپيينّ خصيبةً جداً لريشات الفنانين الذين رسموها في معظم تفاصيلها وخلَّدوها في لوحاتهم ومنحوتاتهم التي يعمُر بها المعرض الحالي في القصر وهو في عنوان “1810: سياسة الحب- ناپوليون الأول وماري لويز في كومپيينّ”. وفي معظم شروح المعرض، تلميحاتٌ الى شغف الأمبراطور وولهه بعروسه الصبيّة التي لأجلها ولأجل حبه إياها تخطى الكثير من المراسم الأمبراطورية. وكان “شهر العسل” في كومپيين فسحة سعادة قصوى لأمبراطور كان أحد أقوى رجال أوروپا في عصره، وهو سخّر لإرضاء عروسه أشهر الرسامين والنحاتين والمزخرفين والخياطين والمصمّمين لتحضير قصر يكون أجمل من قصور الخيال.
هكذا كان الحب نسغ السياسة، فغنمت هذه من شعلة الحب في قلب أمبراطور قاده قلبه الى إتقان سياسة الحب.
من هنا القناة الجامعة بين الحب والسياسة: في الحب حبُّ الامتلاك، وفي السياسة حبُّ الامتلاك، في الحب شهوة التسلُّط وفي السياسة شهوة السلطة، في الحب شغف تجاه المحبوب حتى الوله، وفي السياسة شغف تجاه الحكم حتى الوله، في الحب قد ينقلب الحب الى خصومة وكراهية، وفي السياسة قد يؤول الأمر الى خصومة وكراهية، في الحب ليس من مستحيل الحصول، وفي السياسة ليس من مستحيل الوقوع، في الحب حركة قد تقود الى الأعلى الأكمل الأبهى وربما الى العكس فإلى الانزواء والخيبة والانتحار وربما القتل، وفي السياسة حركة تقود الى بلوغ القمة والحكم والسلطة والزعامة وربما الى السقوط في الانكسار والمرارة والوحدة الْمُرة.
وإذا في الحب موجاتٌ من هدأة وعواصف، من سكونٍ ولُجَج، حتى إذا كان الحب حقيقياً بلغ فترة الصفاء وتطهَّر من شوائب الآنيّات، ففي السياسة أيضاً موجاتٌ توصِل أحياناً الى تفاهم لكنها، إن كانت هشّة غير حقيقية، توصِل الى القطيعة.
إنها جدليّة الحب والسياسة: مَن يدخل فيه ويكون هو قَدَره المنتظَر لا يعود يخرج منه واثقاً بأنه وصل الى ما كان إليه يصبو طوال العمر، ومن يدخل فيها وتكون قَدَرَه يثق بأنه مولود لها ويعمل منها وإليها مهما تكسّرت أمامه المطامع والمطامح والآمال.
مع فارق أراه جوهرياً: حين الحبُّ هو الحبُّ الحقيقي، لا نهاية له لأنه الثابت غير المتحوّل، بينما السياسة هي في المتحوّل غير الثابت خلال العمر، وهذا ما يفرّقها كينونياً عن عظمة الحب وديمومة نبضه حتى آخر العمر.