الحلقة 915: إنـطلاقاً من ميشال زكُّور
الأحد 20 حزيران 2010
في مثل هذا اليوم، الأحد 20 حزيران، قبل ثلاثٍ وسبعين سنة، كان لبنان، رسمِيُّه وشعبيُّه، يودِّع بالغصَّة والأسى نائباً استثنائياً، وزيراً غيرَ عاديّ، صحافياً هادراً، وزعيماً شعبياً تَوَازَى قلمُه وصوتُه، موقفُه ووِقفاتُه، جُرأتُه وصراحتُه، لبنانيَّتُه وإيمانُه.
كان لبنان يودّع ميشال زكور.
القلمُ السيف في جريدته “المعرض”، الصوتُ الجهير في مجلس النواب، الحزمُ الصارم في وزارة الداخلية، طواه القدر القاسي وهو في ربيعه الحادي والأربعين.
والذين تقاطروا كثيرين مساءَ الجمعة، أول من أمس، يستقبلون في إقبالٍ لافتٍ توقيعَ كتابٍ عنه جديدٍ صدر هذا الأُسبوع لكاتبنا اللبناني (في الفرنسية) ألكسندر نجّار، نشرته الزميلة الكبرى “لوريان لوجور”، كانوا كأنْ ردّةَ ذكرى للذين تقاطروا في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة وسبعين عاماً ليودِّعوه الوداع الأخير.
ميشال زكور، في تاريخنا اللبناني الحديث، تاريخٌ – وميضٌ لكنّه كثيف – من الوقوف في وجه الانتداب الفرنسي، أيام كان الانتداب في عز تمسُّكه برقاب اللبنانيين. صارخاً كان قلمُه، هادراً كان صوتُه، وكان مجلسُ النواب ينتظر مطالعاته، ومجلسُ الوزراء يترقّب مشاريعه، وهو تمكن في ما سوى 97 يوماً فقط على تولّيه حقيبة وزارة الداخلية، من تحقيق إنجازات ومشاريع وخطط لم يُحقِّقْها أَسلافه في شهور.
وفي الكتاب الجديد الصادر عنه هذا الأسبوع، وثائقُ ساطعةٌ عن حياته الوميضة الساطعة، تضاف الى ما ظهر عنه في كتاب سابق أصدره سنة 1988 فاضل سعيد عقل ورياض حنين، لتشكّل جميعُها صفحةً غنيةً مشرِّفة عن لبنان الثلث الأول من القرن العشرين، سطّرها ميشال زكور خمس عشرة سنة متتاليةً في جريدته “المعرض” – منبر كبار الأدب والشعر والسياسة في تلك الحقبة-، وسطّرها نائباً ووزيراً كانت تترصَّد كلماتِه جلساتُ ساحة النجمة وقاعات السراي، حين الموقفُ انفجارُ بركان في وجه الانتداب، أو حين الجرأةُ سمةُ السياسي الذي يخدم لبنان رجلَ دولةٍ صارماً مترفّعاً، لا رجلَ سياسة مُحابياً هذا أو ذاك من لوردات السياسة في الداخل والخارج.
ميشال زكور، فليعرفْهُ جيلُنا الجديد من اللبنانيين، كي يكون لهم ضوءٌ لبنانيٌّ نقيٌّ يدُلُّهُم على كيف يجب أن يكون اليوم معظمُ سياسيي لبنان.