المتاحف مستقبل الثقافة
السبت 22 أيار 2010
– 648 –
(18 أيار: كان “اليوم العالمي للمتاحف” بقرار منظمة الأونسكو)
إذا أخذنا بمقولة أن “الثقافة هي ما يبقى بعد أن يغرق كل شيء في النسيان”، تكون المتاحف، شاهدةً حيّةً صادقة، هي ذاكرة الثقافة ومستقبلُها. واحتراماً لِهيبتها وصمتها الناطق أعلاماً ومعالِمَ وعلامات، تأسست للمتاحف منظّمتُها الدولية في حرم الأونسكو سنة 1946، لـ”توعية المجتمع على تراثه الثقافي والطبيعي المادي وغير المادي، الحالي والمستقبلي”. وسنة 1977 أعلنت المنظمة 18 أيار “اليوم العالمي للمتاحف” للاحتفال به كل عامٍ بشعار ذي علاقة وهدفها: “المتحف واحةُ تبادلٍ ثقافي وغنى ثقافي وإنماء متبادَل وتعاوُن وسلام بين الشعوب”. و”اليوم العالمي” فرصةُ لِجان مَجلس المتاحف العالمي (26 ألفاً في 139 دولة أعضاء، ينضمّ إليها لبنان قريباً) لـ”استقبال الجمهور وتحفيزه على دور المتاحف في خدمة المجتمع وتطويره عبر تثقيفه”.
من الدول المحتفلة بهذا “اليوم”: شاطئ العاج في بِنْغِرڤيل (عاصمة البلاد قبل أبيدجان)، وأعلن كومو كواديو وزير الثقافة فيها هذا “اليوم” مناسبة لإعادة إحياء “متحف الحضارات”. وباسم الحكومة حثّ مواطنيه على الانتماء الى هذه المتاحف التي تختزن جزءاً كبيراً من تاريخ بلادهم وثقافتها.
وفي هذا “اليوم” أيضاً حثّ المسؤولون في سويسرا مواطنيهم على اعتبار المتحف مكاناً للاستقبال والتبادل، ودعوا الجمهور الى المشاركة في احتفالات من كل نوع: عيد في المتحف، تبادل ثقافي، لقاءات بين الأجيال المختلفة، معتبرين أن “كل متحف عالَمٌ جديد”. وشهد “اليوم العالمي” انفتاح 200 متحف في كل البلاد، استقبلت زواراً من جميع الأعمار، سويسريين وسياحاً، فكان للصغار أن يقتنوا بطاقات بريدية تذكارية عن المتاحف، وأن يتعرّفوا الى معالم جديدة في بلادهم وفي العالم والى مَشاهد من أمس الزمان وحاضره، كما كان للكبار أن يتابعوا أفلاماً سياحية وجولات في المتاحف واحتفالات موسيقية وجلسات قراءة، فكان نهارهم غنياً بالاختبار والخبرة والاطلاع، وكان المتحف لهم واحةً في خدمة المجتمع ونموّه وتطوره نحو الثقافة العامة.
وفي كندا شهدَت المتاحف في “يومها العالمي” عشراتِ احتفالاتٍ ثقافية من كل نوع، تتواصل شهراً كاملاً لاستقبال العدد الأكبر من الزوار والسيّاح (ببطاقات مخفَّضة أو بدخول مَجّاني) وتقديم الشروح لهم (تورُنتو ووينبيغ في الإنكليزية، ومونريال وأوتَوَى في الفرنسية). وأقام المسؤولون على المواقع الإلكترونية ما سمّوه “متحف كندا الافتراضي” تسهيلاً لبلوغ المتحف الواقعي ودخوله ومعرفة ما فيه سلفاً (عظام دينوصورات، مَقعد من التيتانيك الغارقة،…) الى عشرات المعارض الفنية والحرفية واحتفالات متنوعة الأنشطة والأشخاص والأدلة والشارحين. وأشار المسؤولون في دعواتهم الى أن “المتاحف تتيح اكتشاف تنوُّع تراثنا الكندي وتساعدنا على معرفة مَن نحن، وما الذي يجمعنا مع بعضنا بعضاً”. وتسهيلاً لهذه الزيارات أكثرت المواقع الإلكترونية، تشجيعاً لزائريها على ارتياد المتاحف، من تفصيل العناوين والشروح ونشْر صوَر مختلفة من المتاحف الكثيرة.
أنشطة لبنان في “يوم المتاحف العالمي” (بين المتحف الوطني – أمسية موسيقية للرسميين -، ومتحف الجامعة الأميركية ثالث أقدم متاحف الشرق الأدنى بعد القاهرة والقسطنطينية) لم تكن كافية، ولا يجوز أن تبقى مقتصرةً على “اليوم العالمي للمتاحف” ولا على احتفالات يحضرها الرسميون وجمهور نخبوي. على ذوي الشأن في القطاعات الرسمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والنسائية في المجتمع المدني اللبناني أن يتحركوا صوب توعية المواطنين والتلامذة والطلاب على أهمية المتاحف في حفظ الذاكرة الثقافية من كل نوع: أثري، تاريخي، فني، طبيعي، أدبي، فني، حتى يكون للبنانَ الثقافةِ مستقبلُ ذاكرةٍ غنيةٍ تَغنى مع الزمن ويَغنى معها ومنها جمهور لبنان الذي كم هو في حاجة الى التقاط ذاكرته، قبل أن تغرق في تسطيحٍ يكاد معه مجتمعنا يهاجر من هويته الى هويات مستعارة.
والهويةُ، إن ضاعت في سواها، أضاعت معها أهلها وذاكرة التاريخ ومستقبله.