الحلقة 907: إحذروا هذا الرماديّ الآتي من الغابون
الأحد 23 أيار 2010
في الأخبار أن شُرطة طوكيو التقَطَت ببغاء رمادياً تائهاً في حديقةٍ عامة، وحملَتْه الى بيطريّ راح “يَستنطقُه” الى أن ردّد اسم صاحبه، ما ساعد على إعادته إليه. كان ذاك “ببغاء الغابون” أو “رماديّ الغابون”، وهو طير جميلٌ رماديٌ فاتحٌ يُخالطه بعضُ بياض، يُجْمِع الخبراءُ على أنه “أذكى طير بين طيور العالم”، لأنه أبرعُ الببغاوات نطْقاً وترديداً وكلاماً.
فَرادتُهُ أنه: نادرٌ، حادُّ الذكاء، يتأقلمُ مع حياة البيت الداخلية، يردّدُ الأصوات والكلمات في هدوءٍ لا في صفيرٍ مزعج، حَذِرٌ، نابضُ الانتباه، سريعُ الالتقاط، وسيعُ الذاكرة، رهيفُ الإحساس، مُخْلصٌ لصاحبه، يَحزنُ لشعوره بالحزن ويَنتعشُ لفرح صاحبه، مُتعدّدُ حِفْظِ الأصوات وتقليدِها.
وإن يخشَ الخبراء من انقراض هذا النّوع النادر العجيب الرائع، بسبب تقلُّص الغابات واقتطاعِ أشجارها، وبسبب عملياتِ متاجرةٍ لا تُتيح للببغاء أن يتناسل ويتكاثر في الغابات (من هنا ارتفاعُ ثمنه وتَهافُتُ أثرياء الهواة على اقتنائه)، فإننا نطمئنهم الى أن لدينا في لبنان أنواعاً ببغاويةً شبيهةً تتناسل وتتكاثر، ولو لم يكن ريشُها رمادياً بل متعدّد الألوان، وثمنها غير مرتفع كثمن ببغاء الغابون.
وإن كان ببغاء الغابون “يُرَدِّد”، و”يُعيد”، و”يُقلّد”، ولا يُمكنه أن يزيدَ من عنده حرفاً واحداً أو صوتاً واحداً أو إشارةً واحدة، لأنه، بكل بساطة، ببْغاء، وكل ما يقوم به، ببغاويّ، فإننا، أيضاً في لبنان، نستعيد استعارتَه وطبيعتَه الببغاوية ونحن اليوم في نهارٍ انتخابي طويل، والأحدُ المقبل نهارٌ مُماثلٌ طويلٌ وختاميّ، والكلامُ المردَّدُ الْمُكرَّرُ الْمُعادُ المقلَّدُ ببغاوياً هو هو: مرشَّحون يردِّدون هنا، آخَرون يُعيدون هناك، وغيرهم يقلِّدون هنالك.
هكذا الحالُ عندنا: كلمات، كلمات، كلمات… و”رماديُّ الغابون” يردّد وراء هاملت: “كلمات، كلمات، كلمات”…
الوعودُ إياها، الخُطَبُ إياها، العنتريّاتُ إياها، الشعاراتُ إياها، والكيديّاتُ والمشاحناتُ إياها.
مرشَّحون يُعيدون الكلام إياه، وناخبون يَنقادون وراء الكلام إياه.
كلامٌ ببغاويّ، لغطٌ ببغاويّ، انتخاباتٌ ببغاويّة، لا يرضى بِـبَـبّـغاويّتها حتى “رماديُّ الغابون”.
أيها المرشَّحون والناخبون معاً: وراءَكم وراءَكُم “ببغاء الغابون”، سيقلِّدكم، ويُعيد كلماتِكم ببغاوياً، ولو لم يفهم ما يقول، ولو لم تفهموا ما تقولون.
ألا… فاحْذَرُوا هذا الرماديّ الآتي إليكم من الغابون.