885: أخيراً… “نقطة على الحرف” في كتاب

الحلقة 885 : أخيراً… “نقطة على الحرف” في كتاب
الأربعاء 3 آذار 2010

منذ انطلاقة هذا التعليق الصباحي “نقطة على الحرف” (في 16 شباط 2004) من إذاعة “صوت لبنان” (وإعادة بثِّه ليلاً) وأنا أُصادف أصدقاء ومستمعين يسألونني نُسَخاً مكتوبة لهذه الحلقات، أو يتمنَّون عليّ حفظها في كتاب كي لا تضيع بعد سماعها. وكم حدث أن اتّصل بي مسؤولون في مدارس طلبوا نصوص حلقاتٍ سمعوها (ذاتِ مواضيعَ بيئيّة أو تثقيفيّة أو في التربية المدنيّة) لتوزيعها على تلامذتهم والاشتغال عليها في الصف.
وكان يُفرحني أن ألتقي أحياناً مَن يُثْنُون على هذا التعليق، أو يتذكّرون ذاك التعليق، أو يذكِّرونني بذلك التعليق، ما بقي في ذاكرتهم من النص لِموضوعه، أو حَدَثِه، أو معالَجتِه، أو عباراتٍ رسخَت منه في بالهم. وهو ما كان لي ذا مردودٍ إعلاميٍّ ونفسيٍّ كافٍ لألْمس التواصل مع مستمعيَّ ورُدُود فعلهم إذ يُخاطبونني أو يُهاتفونني أو يراسلونني بريدياً أو إلكترونياً.
وكنتُ دائِماً في تَرَدُّدٍ وتجاذُب: هل عابرٌ كلُّ ما يذيعه أثير الإذاعة ليُسمع؟ وما الذي، بعد إذاعته، يبقى منه صالحاً فيُقرأ؟
وهل يبقى النص صالحاً كما هو، بين كتابته للاستماع العابر من أثير الإذاعة، ونشره للقراءة المتأنية في كتاب؟
في النهاية، كان لا بُدَّ من قرار. والقرار: إذا قَدَرُ النصّ الإذاعيّ أن يغيبَ مع إذاعته على موجات الأثير، فخلاصُه معاكسةُ قدَره وحِفْظُه في كتاب.
هذه الحلقات التي انطلقت إذاعيةً في الأساس على أنها “عينٌ تَرصُد، قَلمٌ يدوّن، وصَوتٌ يُعَبِّر”، تبادر للبعض أنها ستكون أدباً وشِعْراً لأنّ صاحبها ابنُ الشِعر. لكنّ صاحبَها أيضاً ابنُ مُجتمعِه وناسِه ووطنِه، وأراد عبْرها أن ينطقَ بلسان الناس، ويكتبَ بأحاسيس الناس، ويعالج قضايا الناس، يحملَ شؤونهم وشجونهم، وتتمرَْأى في نصوصه هُمومهم وأفراحهم وشكاواهم وتمنياتهم
من باب أَولى إذاً، أن يضمها كتاب يحفظها للعودة إليها واستعادة ما تختزنه من معلوماتٍ ومواقف ووِقفات.
وهكذا كان. ولكنْ، لاستحالة نشر جميع الحلقات الثمانمئة والثمانين، كان الخيارُ جَمْعَ 100 حلقة طَوال عامٍ كامل (تشرين الثاني 2008 – تشرين الثاني 2009) تؤرّخ مرحلةً نوعيةً في فكري وكتابتي ومعالَجاتي رافقَت فترةً نابضةً من حياةٍ ثقافية وسياسية واجتماعية تَمَيَّزَ بِها ذاك العام في لبنان.
وها الكتاب صدر الأسبوع الماضي، ضاماً مئة “نقطة على الحرف”، انطلقَت بصَوتي من إذاعة “صوت لبنان” وجاءت تستريح نصوصاً في كتاب، منتقلةً الى القراءة بعد الاستماع. لم تَعُد تَحمل صوتي، لكنّها تَحمل نبضات قلمي الذي لا ينفصل، في يقينه وقناعاته، عن نبرات صوتي.
وكرمى لجميع الذين سألوني ويسألون عن جمع هذه الحلقات في كتاب، لن أطرح الكتاب للبيع في المكتبات، بل سيكون هدية مني لكل من يطلبها، وليكن أنّ البيت الذي انطلقت منه هذه الحلقات، ينطلق منه الكتاب. والبيت، هو هذه الإذاعة الرائدة، “صوت لبنان”، سيكون فيها الكتاب تقدمةً لكلّ من يطلبه من الإذاعة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*