ربيع الشِعر؟ لونُهُ… امرأة
السبت 13 آذار 2010
– 638 –
بين 8 آذار (يوم المرأة العالمي) و21 آذار (أوّل الربيع و”يوم الشعر العالمي” كما أعلنتْهُ منظّمةُ الأونسكو) هي ذي فرنسا، ككل سنة (ومعها 60 دولة مُشارِكة في العالم)، تحتفل بـ”ربيع الشعر”. ويتَمايَزُ الـ”ربيع” هذا العام بأنّ “لونه… امرأة”، ويركّز على “العلاقة الحميمة بين الشعر والمرأة”، وفي تبرير ذلك أنْ “إذا المرأة حاضِرة في الشعر منذ القديم، كمُلْهِمة وموحِيَة، فالتركيز هذا العام على المرأة التي هي نفسُها شاعرة، وقادرةٌ على أن تبدع بقدْرما توحي”.
وما جعل منظّمي “ربيع الشعر” يركِّزون على هذا المنحى لـ”ربيع 2010″ أنهم، بنتيجة فرز النتائج في “مسابقة الشعر” التي ينظمونها سنوياً في “عيد العشاق” (14 شباط)، تَبيَّن أن معظم القصائد الفائزة كانت لشاعرات، مع أنّ القصائد المرشَّحة جاءت مُغْفَلة الأسماء، وكان معيار اللجنة التحكيمية: جُودة القصيدة قبل معرفة صاحبها أو صاحبتها، ما جعل رئيس اللجنة يصرّح بأن “لواء الشعر في القرن الحادي والعشرين ينحو صوب المرأة”.
فترة “ربيع الشّعر” هذا العام (8 – 21 آذار) تشهد تظاهرات واحتفالات كثيرة تتيح فسحةً أخرى لاكتشاف مواهب شعرية جديدة تأتي من “قصائد مكتوبة في وسائل النقل العام، أو في المكتبات العامة، أو في المدارس أو في المستشفيات”، وفتح المنظِّمون المجال لأيّ كان أن يرسل قصيدة لزميل أو صديق أو زميلة أو صديقة يرشّحها للمشاركة في “ربيع الشعر”.
شِعار الـ”ربيع” هذا العام يكفي أن “لونَهُ… امرأة” كي يكون تكريساً نبيلاً للمرأة التي ليست “ربيع الشعر” و”زينة الشعر” و”نبضة الشعر” وحسْب، بل هيَ، هيَ الشِعر كلُّه، شاعرةً بشِعرها وشاعرةً بإيحائها وشاعرةً بِمجرّد وجودها.
وفي وعي هذا النُّبْل تكريمٌ – بل إعادةُ اعتبار – للمرأة التي ليست “النصف الآخر” في المجتمع، بل هي نصفه الأول، والرجل “نصفه الآخَر”، بمعنى أنه يستمدّ نبضه منها ويعيدُه إليها ويُمَحْوِرُ شعره لها وحولها وعنها انطلاقاً منها وبلوغاً إليها.
أبعد من تركيز منظّمي “ربيع الشعر” على “المرأة الشاعرة” هذا العام، يقود هذا الكلام الى حضور المرأة في الشعر على أنها هي لونُهُ الطبيعي، حتى ولو لم تكن تكتب الشعر.
حضورُها، وحدَه حضورُها، كافٍ لـ”يكون” الشعر. فالمرأة التي تُشرق على الشاعر صباحاً لنهاراته، ونجمةً للياليه، وأفكاراً لقصائده، ومسلكاً لحياته اليومية، ومعياراً له كيف يتصرّف مع الناس، وهدايةً لكتاباته، وراحةً لروحه، وهناءةً لقلبه، وحياةً لجسده، ومدىً حيوياً خلاّقاً لتفكيره، وسماءً لسعادته إن رضيَتْ، وجحيماً لقلقه إن غضِبَتْ، وأَتوناً يُحرق دقائقه إن ابتعدَتْ، وريحاً يُدمّر أعصابه إن سكتَتْ، وانتظاراً لشغَفه إن وَعَدَتْ، وهرباً لشِعره إن أَشاحتْ، وارتباكاً لنصوصه إن أحجَمَتْ، وانكساراً لقواه إن غابَتْ، وزقزقةً لصباه إن عادَتْ، وميزاناً لشخصيته بِحسَب رضاها أو عتبِها،… لا تكون المرأة التي “تُوحي” وحسْب، ولا التي “تُلهم” وحسْب، بل تكون هي: هي الشعر.
يكون الشاعر قبل أن تكون القصيدة، وتكون المرأة قبل أن يكون الشاعر، وتالياً لا تفتح القصيدة مخيلة الشاعر قبل أن تكون الحالة الشعرية جاهزة. والحالة الشعرية أُمّها المرأة: لا تكون بدونها حالةٌ، ولا تفتح اللحظةَ بدونها القصيدة.
إذا أشاح الشاعر عن اطّلاب هذه الحالة من أُمّها، يكتب شعراً جميلاً لكنه بدون نبض، شعراً متخيَّلاً مصنَّعاً ببراعة وحذاقة وعبقرية برّانية، كمَن يقدّم وردة جميلة لكنها صناعية، يليق لها الغزل. أما إذا قارب الشاعر الشعر من أُمّ الحالة التي هي المرأة، فيكتب شعراً جميلاً ونابضاً، شعراً معيوشاً ناضحاً بالصدق الذي يكرّس الإخلاص التامّ في الحب، ويكون شعرُه شعرَ الحب الذي أصدق من الغزل.
وعندئذٍ يستاهل هو الربيع، ويستاهل شعره أن يكون “لونُهُ… امرأة”.