الحلقة 833 : دورات تأهيلية لضبط تَوَتُّر السياسيين
الأحد 23 آب 2009
في تَحقيقٍ لـ”نيويورك تايمز” (صدر الأربعاء الماضي) أنّ قيادة الجيش الأميركي قرَّرَت إخضاع أفراد الجيش (مليون ومئة ألف جندي) لدورات مكثَّفة تدريبية على “استعادة المرونة”، وهو تدبير أول من نوعه في تاريخ الجيش، لـ”مُعالجة مشاكل التَّوَتُّر والقلق والاضطراب النفسي وفقدان التوازن النفسي وانهيار الأعصاب والانفعالات الخارجة عن الرقابة الذاتية”. وتشمل هذه الدورات كذلك ذوي الجنود والمقربين منهم.
من موادّ تلك الدورات التدريبية: إعادةُ نَمَط التفكير الهادئ إلى المتوتِّرين، وإبعادُهُم عن استنتاجاتٍ انفعاليةٍ مرتَجَلَة عصبيّة تؤدّي بِهم إلى الغضب، أو الإحباط، أو استخلاص نتائجَ يتوهّمونَها تقودُهم إلى مواقف عصبية تؤذيهم وتؤذي معهم مُحيطَهم.
وفي استفتاء أجرته قيادة الجيش مع بعض كبار الضباط، بدا هذا التدبير ضرورياً لِحسن تعامُل الجندي المتوتر أو الموتور مع ذاتِه أولاً خلال دواماته العسكرية، وتالياً مع الأقربين منه والمحيط.
وفي حديث “نيويورك تايمز” مع رئيس جامعة بنسيلڤانيا (التي ستقوم بإعداد هذه الدورات تنسيقاً مع الپنتاغون) أنّ المصابين بعوارض التَّوَتُّر في صفوف الجنود، أَبدَوا استعداداً كبيراً لاقتبال هذه الدورات لما يشعرون به في داخلهم ولا يَجدون له علاجاً أو حُلولاً، ولو انهم عارفون تماماً مصدر ما بِهم من نوبات تَوَتُّرٍ أو غضبٍ أو انفعالٍ تؤدّي بِهم أحياناً كثيرة إلى ارتكاب مُخالفات أو تَجاوزات، أو إلى انفلات تصرفاتهم وأقوالهم من كلّ رقابة ذاتية.
هذه الخطوة المهمة جداً، من قيادة الجيش الأميركي، تشير إلى الضرورة القصوى في إعادة دمج أفراد الجيش بِمجتمعهم المدني، عبر دورات تدريبية تأهيلية تضبُط توتُّرَهم وانفعالَهم وتُرجِعُ التوازن إلى شخصيّتهم، خصوصاً بعد حروبٍ عبثيةٍ خاضوها في ڤيتنام والكويت والعراق وأفغانستان جرّت فواجعَ ومآسيَ على العالم شرقيّه وغربيِّه، كان الجنود خلالها أسرى مواقفَ تَفوق قدرة احتمالهم وأعصابهم، خصوصاً عند قتْلهم رجالاً ونساءً وأطفالاً في معاركَ لا يمكن جنديٌّ بعدها أن يظلَّ مُحافظاً على توازنه إثر صراخ ضميره بأنه واجه مدنيّين أبرياء، أو خاض حرباً لا يعرف سبباً لها أو تبريرا.
هذا في صفوف الجيش. لكن هذه الخطوة ضروريةٌ كذلك في صفوف السياسيين حين يُفْلتون من كلّ رقابةٍ ذاتية في سلوكِهم أو في خطابِهم السياسي، من دون أن يكونوا تعرَّضوا في حياتهم اليومية إلى معانَياتٍ قاسية تبرّر تصرفاتهم الانفعالية، علماً بأنّ عليهم هُم أن تكونَ لهم قدرةُ احتواء الأزمات وإيجاد حلولها وأن يكونوا هم المسؤولين عن الأمن في البلاد، لأن لكلّ خطابٍ متشنج مَحاذيرَ خَطِرَةً جداً على أمن المواطنين.
فعسى ألاّ نصلَ في لبنان إلى يومٍ نَحتاج فيه أن نطلب من الجامعات في لبنان، أو المتخصِّصةِ في الخارج، تنظيمَ دوراتٍ مكثَّفَةٍ للمسؤولين في لبنان عن النظام الأمني أو السياسي، تدريباً إياهم، وإعادةَ تأهيلٍ للحفاظ على أعصابهم.
نقول هذا، مدركين أنّ بينهم من سَيَظلُّ يَحتاج، بشكل دائمٍ ودوريّ، إلى هذه الدورات التأهيلية المكثَّفة.