832: حين يكبَر أطفالنا على الذائقة الفنية

الحلقة 832: حين يكبَر أطفالنا على الذائقة الفنية
الأربعاء 19 آب 2009

شكراً لِجميع الذين اتّصلوا بي أو راسلوني حول حلقة الأحد الماضي عن تنشئة الصغار على الموسيقى الكلاسيكية انطلاقاً من قصة الطفل الذي يربى على سماع الموسيقى الكلاسيكية كلما والدُه يقرأ له قصةً في كتاب.
هذا يقودني إلى طفلةٍ أخرى أكملَت عامها الأول قبل أيام، غُرفتُها ملأى بكُتبٍ ملونةٍ للصغار، تتناول واحداً منها، تفتحُه، تُمرِّر إصبعها على صفحاته وما فيها من رسومٍ ملوّنةٍ جميلة، وصُوَرٍ جذّابة، وتروحُ تكاغي مقلِّدةً أمَّها كيف تُمرّر إصبعها على صفحات الكتاب وهي تقرأ لها فيه قصةً، أو ترسم أمامها بالألوان مالئةً فراغَ الرسوم.
الكتابُ رفيقُ الأطفال. والألوانُ رفيقةُ الأطفال. والمسرحُ رفيقُ الأطفال. والموسيقى رفيقةُ الأطفال. والأطفالُ الذين يكبَرون على الكتاب في غرفتهم، وقصصٍ فيه يقرأُها لَهم والداهم، أو على الألوان في الكتاب تَنشأُ عليها عيونهم، أو على الرسوم في طفولتهم يُكملونَها أو يتمرّنون على مَلْءِ فراغها أو رسْم شبيهة لَها، أو يكبرون على الموسيقى في غرفهم والبيت، أو على مسرحياتٍ للصغار يعوِّدهم أهلُهم أن يصحَبوهم إليها فيعتادوا على صالة المسرح وطقوس المسرح (من ستارة وإضاءة وتمثيل وقصة وممثلين ومؤثرات صوتية وبصرية)، هم أطفالٌ تنمو لديهم ذائقةٌ فنّية منذ الطفولة، تكبَر معهم فتهذّب ذكاءَهم، وتصقلُ استيعابهم، وتبَلْوِرُ شخصيتَهم إلى مستوى مُختلفٍ عن أترابٍ لهم لا يكبَرون على تلك الفنون، أو يكبرون وليس أمامهم سوى شاشة التلفزيون، أو ألعابٍ إلكترونية تُشَغّل وقتَهم وتسلّيهم من دون أيّ مقاربةٍ لذائقتهم الفنية.
تنميةُ الذائقة الفنية عند الأطفال أكثرُ أهميةً وحاجةً من تلْقينِهم حروفَ الأبجدية وجدولَ الضرب وحركاتِ الإعراب وتمارينَ اللغة والقواعد.
الذائقةُ الفنية تُسَرّع استيعابَهم المداركَ العلمية، بينما المعلوماتُ اللغوية والحسابية والعلمية لا تَخلُق لديهم ذائقة فنية راقية.
الفنون، في عمر الطفولة، تَجعل الطفولةَ جسراً إلى سنواتٍ لاحقةٍ سويٍّة ونُضجٍ لاحقٍ متّزن. من هنا صوابيةُ الأهل الذين يرسلون أولادهم في سنٍّ مبكّرةٍ إلى الكونسرفاتوار يتعلّمون العزف، أو إلى معهدِ باليه يتعلّمون الرقص، أو إلى مدرسةٍ فنيةٍ يتعلّمون الرسم، لأنهم ينشأُون على ذائقةٍ فنية تصقل مداركهم لاحقاً حين يكبرون، فتنضُج شخصيتُهم على الفنون وهي أرقى المدارك وأَنقاها.
وما أهنأَ وطناً بُذورُ غدِهِ طالعةٌ من ذاك الطفل الذي يكبر على والده يَقرأُ له قصةً في كتابٍ فيما يَسمع الموسقى الكلاسيكية، ومن طفلةٍ منذ مطلع عامها الثاني تَتفتّح إلى كُتبٍ حول سريرها مفتوحة على بَهجةِ الرّسوم والألوان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*