الحلقة 798: اللوائح الانتخابية : “ماتْروشْكا”… “ماتْروشْكا”
الأحد 19 نيسان 2009
أمّا واللوائحُ الانتخابية اكتملَتْ في المناطق اللبنانية، أو تكاد، فتشكيلاتُها تأخذُنا الى اللعبة الروسية “ماتْروشْكا” وما لَها من رموزٍ ذاتِ مغازٍ ومعانٍ متعدِّدة في التقاليد الشعبية والأساطير.
ففي حكاياتٍ شعبيةٍ روسيّةٍ من مطلع القرن السابع عشر أنّ “ماتْروشْكا” لعبةٌ خشبيةٌ تنفتحُ أفُقياً فتنكشف على لعبةٍ ثانيةٍ في داخلها تنفتحُ هي الأُخرى على لعبةٍ ثالثةٍ في داخلها ثم تنفتحُ الثالثة على رابعةٍ في داخلها فعلى خامسةٍ في داخلها، وهكذا حتى الوصول الى اللعبةِ الأخيرة الصُّغرى الداخلية التي لا تعود تنفتح على لعبةٍ بعدَها.
في رمزية هذه اللعبة أنّ حكايةً تكون مكتوبةً على اللعبة الكبرى الخارجية، ثم تروح الحكايةُ تكتمل تباعاً على لعبةٍ داخليةٍ بعد لعبةٍ أخرى وصولاً الى نِهاية الحكاية مكتوبةً على اللعبة الصغرى الأخيرة.
وفي رمزٍ آخر تأخذ رمزية “ماتْروشْكا” الى حَبّة البصل: تنكشف قشرتُها الخارجية عن بصْلة أخرى داخلَها حتى إذا أزيلت القشرةُ الثانية كشفَت عن بصْلة ثالثة وتروح قُشور البصلة تنكشف عن بصلةٍ داخلَ بصْلة حتى اللُبّ الأصغر الذي لا بصلةَ بعده.
غير أن تَجْرَنَةَ “ماتْروشْكا” خرّبت رمزية اللعبة الروسية الأصلية، فباتت اللعبةُ الخارجية تنفتح على لعبة ثانية شبيهة فثالثة فرابعة أو أكثر وجميعُها متشابِهة، من دون حكايةٍ تبدأ على اللعبة الخارجية وتكتملُ عند اللعبة الداخلية الأخيرة.
ما الرابط بين “ماتْروشْكا”، واللوائح الانتخابية عندنا؟
الرابط هو هذا: في “ماتْروشْكا” الأصلية، بين اللعبة الأساسية الخارجية الأولى واللعبة الداخلية الأخيرة تَرَابُطٌ عضويٌّ في المعنى لا يكتمل بدونه المعنى لأن تَتالي اللُعَب ذو معنى متماسك الحلقات. وفي “ماتْروشْكا” التجارية لا معنى إلاّ للّعبة الخارجية التي تتشابه بعدها الداخليات لأنّها جميعَها نسخٌ بَبَّغاويةٌ أصغرُ فأصغرُ عن اللعبة الأولى.
هكذا معظمُ اللوائح الانتخابية عندنا: رأْسُ اللائحة هو الأساس، وباقي الأسماء في اللائحة نُسخٌ حياديةٌ عنه لا حضور لَها إلاّ بِحضور رأس اللائحة، بينما جوهر اللعبة الديمقراطية أن يكون ترابُطٌ في المعنى والمبنى بين رأس اللائحة والاسم الأخير فيها بِمعنى تَكامُلِ الحضور بين كلّ عضو في اللائحة والآخَر، وهنا الفرق بين “ماتْروشْكا” انتخابية أصلية ذات ترابُط، و”ماتْروشْكا” تِجارية بدون تَرابط بل ربط بَبَّغاوي بالاسم الأول.
في 7 حزيران المقبل، على الناخب اللبناني أمام صندوقة الاقتراع أن يقرّر أين يقف: أمام لائحة “تِجارية” كَحَبَّة البصَل، تَحمل اسماً أول أَساسياً وأسماءَ بعدَه صُوَرية، أو أمام لائحة “أصلية” تَحمل أسماءَ مترابطة لكل منها معنىً مستقلٌّ في ذاته يتكامل مع الاسم الآخر.
فليقرِّر الناخب من يَختار: لائحة “ماتْروشْكا” أصليّة ديمقراطيّة من أجل لبنان، أو “ماتْروشْكا” تِجاريةً بَصَليّةً ببّغاويةً أغنامياً وراءَ هذا السياسي أو ذاك.
بناءُ لبنان الآتي يبدأ في نوع الاختيار، وإلاّ فهذه الانتخاباتُ، ولوائحُها، ليست سوى… “ماتْروشْكا”، “ماتْروشْكا”.