الحلقة 774: كيف يظلُّ لبنان بلدَ الأمن والأمان
الأحد 25 كانون الثاني 2009
أن تكافئَ الدولةُ، قبل يومين، مواطناً لاحق نشَّالاً في طرابلس وقبضَ عليه منقذاً منه سيِّدةً لبنانية كادت تقع ضحية نشله، معرِّضاً حياته للخطر عند إطلاقِ النشَّال النارَ عليه، فبادرةٌ تشير الى وعيِ الدولة مبدأَ الثواب والعقاب، وتشجيعَ مواطنيةٍ صالِحةٍ تُسهم مع الدولة في مكافحة الجرائم والمخالفات.
وهذه البادرة تدعو كلَّ مواطنٍ الى أن يكونَ عيناً ساهرةً لا على الدولة بل على المواطنين، كي تتَّسِعَ عين الدولة فتحمي المواطنين. فمن الطبيعي ألاّ تكونَ الدولةُ قادرةً على الحضور في كلّ شارعٍ وَحَيٍّ ودسكرةٍ وزاروب، لكنها، على ما نظنُّ، قادرةٌ على قمع كل مُخالفةٍ تُعْلَمُ عنها في كلّ شارعٍ وَحَيٍّ ودسكرةٍ وزاروب. وهو ما يعمِّمُ حالةَ أمْن وأمان جعلَت لبنان قبل سنواتٍ قليلة، بِحسَب مَحضر الإنترپُـول الدولي، أن يكون من أكثر البلدان أمناً وأماناً في العالم. وهذا واضحٌ بشكل عامّ في شوارع لبنان، والعاصمة تَحديداً، من ليالي سَهَرٍ لا تنتهي إلاّ مع آخر الليل، من دون تسجيل أحداثٍ وحوادثَ قلَّما تَمُرُّ من دونِها ليالٍ شبيهةٌ في دولٍ أخرى ومدنٍ أخرى وعواصمَ أخرى عالَميةٍ كبرى، نشهد فيها مع هبوط الليل لافتاتٍ وتَحذيراتٍ عريضةً من النشّالين والدجّالين والغشاشين، ما يجعل ليل تلك المدن والعواصم مَحفوفاً بالحذَر والخوف، ويُخفِّف من حركة المرور فيها، أو السير، أو التنقُّل بالباصات والمترو، مع أنّ تلك العواصم والمدن تدّعي أن الدولة موجودة فيها بِحزْمٍ وحسْمٍِ وجزْم.
هكذا يتميّز لبنان بالأمن والأمان في لياليه الطويلة السهر، والآمنة النهارات (إلاّ استثناءاتٍ موجودةً في كل العالم) ما يشجّع كلَّ مواطن عندنا أن يكون عيناً ساهرةً على مُخالفةٍ هنا، ومُحاولةٍ جُرْميَّة هناك، وتَجاوزاتٍ مسلكيةٍ هنالك، في السير، أو التعليق على الكهرباء، أو في التزوير، أو في أيِّ خطرٍ آخر قد يكون عاماً، أو خاصاً، أو اغتصاباً لحقوق المواطن.
وهذا أيضاً يلغي من اللاوعي الجماعي فكرةَ أنّ الدولة هي كائنٌ آخر ضدّ المواطن، عوضَ أن يتعمَّم الوعي الجماعي بأنّ الدولة ليست هناك، بل الدولةُ هي كلُّ مواطن، فيشعرُ كلُّ مواطن أنّ الدولة هي هو، وأنه هو الدولة، وأنّ الدولة هي التي في خدمته، لا أنه هو في خدمة دولةٍ تسلُبُه، أو تشدّد الخناق عليه، من دون أن تعطيه حقوقه.
وهكذا، حين يقوم كلُّ مواطنٍ بواجباته تِجاهه هو – من خلال قيامه بواجباته تِجاه الدولة التي هي هو-، يشعر كلُّ مواطن أنْ وصلَت إليه حقوقُه التي حقَّقها هو بصفته هو الدولة، وبِكَون الدولةِ خادمةً إياه، حاميةً حقوقه، ومسؤولةً عن أمنه وأمانه.
وبِهذا يتعمَّم لبنانُ المدنِيُّ والسياحيُّ، أنْ يظلَّ في طليعة بلدانٍ يشعر فيها المواطنُ والسائحُ والضيفُ باطمئنانِ أنّه في لبنان… بَلَدِ الأمن والأمان.