الحلقة 766: الأخلاقيات السلوكية في استخدام الخَلَوِيّ
الأحد 28 كانون الأول 2008
لم يَعُدْ جديداً، في هذا البرنامج، تكرارُ ما يصادفُنا مِن وقاحةِ مَن يتركون أجهزةَ خَلَوِيِّهم مفتوحةً في قاعات المحاضرات وفي المجالس الخاصة، ويبالغون في صلافتهم حين يُجيبون بصوتٍ مرتفع، غير آبِهين للمكان وللجالسين، أو يبتعدون كي يَمُدّوا حديثاً قاطعين به سياق المجلس، وغالباً ما لا يبرِّر موضوعُ الحديث ضرورةَ هذا الاختراق، فيَزيدُهم هذا التصرُّفُ صَلافةً ووَقاحة.
ما أُثيرُه اليوم: أمرُ الذين يَنتهكون حُرمة مَن يتّصلون بِهم في أيّ وقتٍ من النهار والليل، غيرَ حاسِبين أن يكون المتَّصَل به في اجتماعٍ أو خلوةٍ أو تركيز. ذلك أنْ لَم يَعُدْ للمتَّصلين حدودٌ لاختراق حُرمَةِ الآخرين ووقتِهم وحميمياتِهم وراحتِهم، فيأخُذون حرّيّة الاتصال، بدون تَردُّد أو حساب، في أيِّ وقتٍ بأيِّ شخصٍ معهم رقمُهُ الخَلَويّ. وبِهذا لا فرقَ بين مَن يَدخلون بيوت الآخرين في أيّ وقتٍ بدون استئذان، ومَن ينتهكون حُرمة الآخَرين في اختراقِ أوقاتِهم بالخَلَويّ في أيّ وقتٍ وأيّ مكان، وأحياناً برنّاتٍ هي بين لَحنٍ معروف أو أغنيةٍ شائعة أو صياح ديكٍ أو بكاء ولدٍ أو أيّة صَرْعَةٍ أخرى.
إنّ لاستعمال الخَلَويّ آداباً وخُلُقياتٍ لا تَقِلُّ أهميةً عن آداب المائدة والسلوك والاستقبال والمحادثة وأيِّ مَظهرٍ اجتماعيٍّ آخر. لكنّ فوضى استعماله عند البعض أطاحت جميعَ المقاييس والمعايير والآداب والسلوكيات، وهَدَمَت الحواجز بين الاحترام والوقاحة، بين الاستئذان والاختراق، حتى بات كلُّ من يَحملُ رقماً خَلَوياً لأَحَد، يتصل بِهذا الـ”أَحَد” في أيِّ وقتٍ وأيّة مناسبة من دون أيّ حسابٍ لوقتِ الآخر أو خصوصياتِه أو مكانتِه أو مركزِه أو حُرمةِ مكتبِه أو بيتِه.
ويزيد من وقاحةِ هذا الاختراق: اجتياحُ الرسائل الخلوية بإعلاناتِ المطاعم والتنزيلات والحسومات والأدوات المنزلية والسيّارات والمقاهي والنوادي الليلية ومواعيد الحفلات، فلا ينفكُّ الخَلَويُّ يَرِنّ طوال النهار والليل مرهِقاً حاملَهُ بالهِياتٍ مزعجةٍ تُضطرُّه إلى إقفال جهازه ليرتاح من مطاردته، لكنه لن يرتاح إذ قد يتّصل به لاحقاً مَن “يَلومُهُ” على إقفال جهازه، سائلاً إياه أين هو، ولِماذا أقفَلَ خطّه.
إنّ للـخَلَويّ أخلاقياتٍ، أقلُّ عناوينِها: احترامُ حُرمةِ الآخرين وحرمة المجالس.
وانتهاكُ تلك الأخلاقيات، أقلُّ عناوينه: الوقاحة.