الحلقة 743: حين تتردّد الموسيقى في مغارة جعيتا
(الأربعاء 8 تشرين الأول 2008)
الدخولُ إلى مغارة جعيتا، فيه – مُسْبَقاً – هيبةٌ وجلال، فكيف إذا كان الدخولُ لنُصلّي في هيكل الموسيقى !
عبقريةُ هذه الصواعد والهوابط، أنّ فيها إيقاعاً تَجَمَّع نقطةً بعد نقطة، منذ سنواتٍ مطّاطةٍ دهريةٍ طويلة، هبطَت من فوق فتلقفَّها الـ”تَحت”، وعَلَت من الـ”تَحت”، عَلَت، علَت، حتّى تلاقت صاعدةً بالـ”فوق” النازل، وشكَّلَت لوحةً، منحوتةً، شكلاً، رداءً، عَموداً، قنطرةً، ثوباً ذا ثَنِيّاتٍ كأنّها هدلةُ الحرير على خصر الحبيبة.
بلى… في الدخول إلى مغارة جعيتا هيبةٌ وجلال.
مساءَ الجمعة الماضي دخلنا إلى مغارة جعيتا، خُشَّعاً برِعشة الجمال، مَبهورين بأَلَقِ الجمال، كأنْ جاثين عند أقدام الجمال.
وجاءتنا موسيقى غي مانوكيان تتصاعدُ حولَنا، من قلب التراث الغنائي اللبناني، لتزيدَ الهيبةَ هيبةً، والجلالَ جلالاً، فتمازجت نوطاتُ الموسيقى مع نقاط المياه، مُتَسَرِّبَةً خلل الهوابط والصواعد، فتلاقت النوطات بالنقاط، ولفَّنا سحرٌ كما من عالم اللاهنا، يَحملنا إلى هُناكَ بعيدٍ، ترتفع فيه الصلاة مع الموسيقى، ويتعبّد فيه الجمالُ بالجمال.
مغارة جعيتا، بِمعبدِها المائي السُّفليّ ومعبدِها الأرضي العلويّ، تُحفةُ التُحَف اللبنانية، تردَّدت في أرجائها الموسيقى مساء الجمعة الماضي، فزادَتْها تُحفةً على تُحفة.
ويكون أنّ مغارة جعيتا مُرشحّةٌ لتكون “إحدى عجائب الدنيا الطبيعية السبع”؟ أيُّ أعجوبةٍ أجدَر؟ وأيُّ طبيعةٍ أجدى من هذه الـ”مغارة جعيتا”، تُحفةِ الله على أرض لبنان، في قلب جبل لبنان، وفي شهقة الروعةِ الفريدة من طبيعة لبنان!!
قد يكون لها، مغارة جعيتا، أخواتٌ في لبنان، لكنّهُنّ دونَها روعةً وجمالاً. وفي لبنانَ مناظرُ جميلة، وغاباتٌ ظليلة، وأشجارٌ بَلِيلة، لكنّ فرادةَ مغارة جعيتا أنّها تَجمَعُ روعةَ العين التي تُبصر، إلى رهافة السمع الذي يُصغي… فأين في لبنانَ جمالُ العين والسّمع يقشعرُّ القلب لَهُما كما في مغارة جعيتا؟
تلك الليلة، مساء الجمعة الماضي في مغارة جعيتا، كان عرسُ النّدى على بَتْلاتِ حُبٍّ كبير، تضمُّه مغارةُ جعيتا، وتُطلقه إلى العالم روعةَ الطبيعة في لبنان، لبنانَ الشاعر: بطبيعته وجماله وفرادته النادرة.
وغداً غداً، إذ تُعلِنُ اللجنةُ الدولية نتائجَ المسابقة العالَمية، أن تكونَ مغارة جعيتا، بالتصويت الإلكتروني، إحدى عجائب الدنيا الطبيعية السبع، لا غرابةَ أن يَؤُمَّها بعدئذٍ سيّاحٌ وحُجّاج، من جميع أوطان الدنيا، يَدخلونَها بِخَشْعَة الْهَيبة والْجَلال، ويَخرجون منها منسحرين مردّدين: “هذه ليست إحـدى عجائب الدنيا الطبيعية السبع، بل هي أعجوبةُ العالم الأولى. هنيئاً بِها للبنانَ تطلقُه مغارةُ جعيتا أعجوبةَ الجمال في وطن الجمال بين جميع أوطان العالم”.