741: رأيتُ في أوتَوى

الحلقة 741: رأَيتُ في أُوتَوى
الأربعاء أول تشرين الأول 2008
أُوتَوَى- كندا

في الطريق بين مونتريال وأُوتَوى، طَوال ثلاثِ ساعاتِ المسافةِ الطويلةِ الطويلةِ “كجَدَلٍ عقيم”، كان في بالي سؤالٌ عمّا يُمكن أن أجدَ فيها من تكريمٍ لِجبران في ذكرى ميلاده الخامسةِ والعشرين بعد المئة، بين أبناء جاليةٍ لبنانية بعيدةٍ عن تأثير جبران.
غير أنني، بوُصُولي الى أُوتَوى ولقائي أعضاءَ من الجالية اللبنانية في منْزل سفيرنا هنا مسعود المعلوف، سعدْتُ أن أرى اهتماماً بِجبران لافتاً وعميقاً، على نُدرة المتوفِّر من مؤلّفاته أو الاحتفالات بيوبيله الفضي بعد المئوي.
وفي منْزل السفير المعلوف، الناشط جداً في الجالية على المستويَين (الرسمي الكندي والشعبي اللبناني) تعرّفتُ الى عضو المجلس البلدي في أُوتَوى الياس الشنتيري (اللبناني الأصل من قب الياس، جاء الى هنا سنة 1976) وهو تَمَكَّن من إقناع رئيس بلدية أُوتَوى لاري أوبراين وأعضاء المجلس البلدي بإطلاق اسم جبران على شارع حيوي من المدينة العاصمة، ما سيظهر الى العلن قريباً، بِمتابعةٍ دؤوبٍ من سفيرنا هنا مسعود المعلوف.
وفي منْزل السفير المعلوف، تعرّفتُ أيضاً برئيس “اتّحاد الجامعيين العرب خريجي الجامعات الكندية” (“أكوغا”) أنطوان غانم (اللبناني الأصل من بعلبك) الذي عمل مع هيئته الإدارية في الاتّحاد على إنْجاح الاحتفال بذكرى جبران المئة والخامسة والعشرين.
وإبّان الاحتفال نفسه (في القاعة الكبرى التابعةِ كنيسةَ مار الياس) كان جمعٌ كثيفٌ جاء يصغي الى حديثٍ عن جبران لا أديباً أو شاعراً أو مبدعاً من لبنانَ وحسب، بل عنوانَ فخرٍ عالَمياً للبنان، ينتسبون إليه وهُم هنا في مهجرهم البعيد.
والذين تَحلّقوا حولي بعد مُحاضرتي عن جبران، كثيرين ورائعي النبضِ اللبناني، كان في عيونِهم سؤالٌ بعضُه أفصحُوا عنه والآخرُ كتَموه، عن لبنان اليوم. وما هي حتى تقدّمت مني سيّدةٌ في الجمع تسألني بِحُرقة الغُربة الْمُرَّة الْمالِحة الْحامضة: “تُرى، لو عادَ جبرانُ اليوم حياً الى لبنان، أكان سيكرّر قولَه الشهير: “لو لم يكن لبنانُ وطني، لاخترتُ لبنان وطني”؟”. وأجبتُها بإيْماني اللبناني العميق: “نعم يا سيّدتي، نعم يا بنتَ لبنان الحقيقيّ لا السياسي، يا بنتَ لبنان المبدعين، عناوينِنا في العالَم، لا لبنان السياسيين، نعم، لكان اختار لبنانَ حتماً وأكَّد على اختياره، لأن لبنانَ جبران ليس هذا المسخَ السياسيّ الذي يتمرّغ اليوم في وُحُول التناقضات والتجاذُبات والنكايات والكيديات وانْحصار هَمّ السياسيين لا في المواطن بل في الانتخابات، بل لبنانُ جبران هو ذاك اللبنانُ الخالدُ في الزمان، قائماً على ثوابت الحضارة اللبنانية عبر أعلامها، لا على زوائل الظروف السياسية عبر أقزامِها”. وانصرفت عني تلك السيّدة، وفي خيال عينيها دمعةُ اعتزازٍ لبنانيةٌ حافية.
بلى، في أُوتَوى رأيتُ جاليةً لبنانيةً راقية، ملتفَّةً حول سفيرنا مسعود المعلوف، وَحَول القيَم اللبنانية العالية؛ جاليةً أركانُها من المرموقين هنا في وظائفَ عاليةٍ إداريةٍ وجامعيةٍ وأكاديميةٍ ومصرفيةٍ وسواها، ما يعلو له الْجبين بكوكبةٍ لبنانيةٍ متماسكةٍ واعيةٍ كُنْهَ لبنان الخالدِ على الزمان، صوتاً يَصدَحُ كلّ يوم من المغتربات البعيدة عن أرض الوطن، صوتاً ينادي المتشاحنين المتنافرين على أرض الوطن، يقذُفهم بلعنةٍ ظاهرُها مَخمَليٌّ وباطِنها قرفٌ عاصفٌ جبراني: “لكُم لبنانكم، ولي لبناني”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*