731: جميعُ اللبنانيين أسبوعاً في صحراء الخليج

الحلقة 731: جميعُ اللبنانيين أُسبوعاً واحداً في صحراء الخليج
الأربعاء 27 آب 2008

كنا على الشُّرفة الصيفية، بعد ظهر الأحد الماضي، لدى صديقٍ يسكن بنايةً شاهقة في ذاك المصيف اللبناني الجميل، مُطلَّةً على أحد أجمل المناظر في لبنان، حين دخل علينا ضيفٌ خليجيٌّ قدّمه إلينا مُضيفُنا على أنه جاره في الطابق الأعلى من تلك البناية.
وما إن جلس الضيفُ الخليجي، حتى راح يتأمّل الجبال والأودية والغابات الخضراء تَحتنا وأمامنا وحولنا من تلك الشرفة الصيفية. في شغفٍ كان يتأمّل، وفي فرحِ من يراها للمرة الأُولى، مع أنه يراها كلّ يوم من شرفته فوقنا.
وكان حديثٌ عن الوضع المتأزم سياسياً في لبنان، فإذا بضيفنا الخليجي يقول لنا ما لا أنفكُّ أسْمعه من أصدقاء خليجيين، هنا أو في بلدانهم الخليجية: “ما الذي يفعله اللبنانيون بلبنان؟ ألا يعرفون قيمةَ لبنان ونعمةَ لبنان وروعةَ لبنان؟ أم انهم وُلِدوا هنا، ونشأُوا هنا، ولا يعرفون هذه الثروة الطبيعية أنعم الله بِها على لبنان ولا يعرفها أهل لبنان”؟
اسْتمحتُه أن أصحِّح له التعبير لا المضمون، ألاّ نعمِّمَ فننسبَ الى الشعب اللبناني تقصيراً بل تدميراً في بُنْيَة لبنانَ ليس الشعبُ مسؤولاً عنه بل سياسيون يقودون هذا الشعب، وإن تكن مسؤوليةُ بعض الشعب إيصالَ عددٍ من “دينوصورات” السياسة الذين يقضمون وطننا بِحُجة العمل من أجله ومن أجلنا.
وهنا رفع الضيف الخليجيُّ يديه الى علٍ، وقال بصوتٍ دُعائيّ: “والله، والله، والله، لو أملكُ، لَجئتُ بأسطول من سفنٍ وبواخر، وشحنتُ كلَّ الشعب اللبناني أُسبوعاً، أُسبوعاً واحداً الى صحراء الخليج، وَلَجَوَّلْتُهم في معظم مناطق الخليج، من صحراء الى صحراء، من أرضٍ جرداء الى أرضٍ جرداء، من ترابٍ قاحل الى ترابٍ قاحل، من سطحِ أرضٍ مسطّح الى سطحِ أرضٍ مسطّح، حتى يَدُوخوا من المنظر الواحد والرمل الواحد والمشهد الواحد وظلّ الأشجار المفقود، والْحَرّ الذي يقتل، والضجر الذي يقتل، والفيافي المتشابِهة الرتيبة التي تقتل، والمسافات الطويلة الْمُمِلّة التي ليس فيها سوى زفت الطريق ورمل الصحراء المتشابه طوال كيلومترات وكيلومترات، ولَعُدْتُ بِهم بعد هذا الأُسبوع، ما سوى لأُشاهد كيف سيعودون لِيَبُوسُوا جذعَ كلّ صنوبرةٍ أو زيتونةٍ أو سنديانةٍ من أرض لبنان، وكيف سيفتحون صدورَهم وعيونَهم وأفواهَهم وصرخاتِهم الحنينية ليَعُبُّوا كل تلَّةٍ أو صخرةٍ أو وادٍ أو جبلٍ أو غابةٍ خضراءَ من أرض لبنان، ولأسْمعَهم يبتهلون وهم راكعون على تراب لبنان يردّدون: “حبِّه من ترابَك، بكنوز الدني”.
وسكَتَ ضيفُنا الخليجي، وبقيَتْ تتردَّد في سكوته أُمنيَتُه المستحيلة، وتتماوجُ ظلالُ عينيه مُخفيةً دمعةً حافية، وسادَ بيننا صمتٌ طويلٌ قطعَه من نشرة الأخبار تصريحُ واحدٍ من “بيت بو سياسة”، مُهدِّداً متوعّداً من متراسه الى متراس أخصامه السياسيين.
ومن ذاك الضيف الخليجي، بِحُرقة كلّ حرفٍ من كلامه، الى كلّ فردٍ من أفراد الشعب اللبناني: قبل أن تأتي البواخر لتشحنَه في تلك الرحلة الافتراضية الاختبارية، فَلْيَعِ شعبُنا دورَه الْمُحاسِب، منتقماً لأجيالنا المقبلة من جلاّديه السياسيين، في ذاك الاستحقاق الآتي قريباً (بعد عشرة أشهر) في صندوقة الاقتراع نَهار الانتخاب.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*