الحلقة 710 : ثقل الدم والوقاحة عند ركاب الصف الأول
(الأحد 15 حزيران 2008)
غالباً عن موعد الاحتفال يتأخَّرون، وعند وُصولِهم لا يَعتذرون، لأنهم من تَحصيل الحاصل يعتبرون، أنّ مقعدهم مَحجوزٌ لَهم حالَما يَصِلون، ومقعدَهم في الصف الأول ينتظرون، وإلاّ فَهُمْ فوراً يَحرَدون ويَحْلَنْشِشُون ويَسْبَطِرُّون ويَقْعَنْسِسُون وبالمغادرة يُهدّدون. وقد يكون واحدُهم مِمَّن ثقيلي الدم يُعتبَرون، فلا يرضى بأنْ على طرَف الصف الأول يكون، بل في وسط الصف الأول، وإلاّ فهو غير مَمنون.
هؤلاء السادة الثقيلون، الذين بِمكانهم في الصف الأول يتمَسَّكون، منهم ذوو مناصبَ حاليون، ومنهم ذوو مناصبَ سابقون، ومنهم مَن هُم بِحذافيرهم يأتون، ومنهم سواهُم من الزعماء يُمثِّلون، وفي مكان الصدارة مقعدَهم يَطلبون.
هؤلاء السادة المسْبَطِرُّون (وَلْنُسَمِّهم، اصطلاحاً، “رُكَّاب الصفّ الأول”) هم من فصيلة حردانين لا يعجبهم عجب، ويُـتَـنْحِرُون لأيّ سبب، ويفسدون تنظيم الاحتفال، ويغتصبون مقاعد هيّأها المنظّمون لِرَسميين يفرض البروتوكول إجلاسهم في مقاعد متقدّمة، أو يَحتلّون بوقاحةٍ مقاعد حجزها المنظّمون لِمن اتصلوا وأكَّدوا حضورهم.
“رُكَّاب الصفّ الأول” هؤلاء، هم نَقمةُ كل نعمةٍ في كل احتفال، وهُم القرص المزعج في كل عرس. لذا يرتاح المنظّمون حين يستطيعون إكثار كراسي الصفّ الأول، كي يستوعبوا أصحاب الحق البروتوكولي والمؤكِّدين حضورهم.
وتصدف أحياناً أن يكون الصف الأول في ساحةٍ أو مدرج فيتّسع للعشرات، ومع ذلك يبقى مِن “رُكَّاب الصفّ الأول” مَن لا يُعجبه إلا الجلوسُ في وسَط الصف الأول لا إلى ناحيةٍ منه، كما حصل مساء الأربعاء الماضي في مهرجان الياس أبو شبكة على مدرج زوق مكايل الذي استوعَب صفُّه الأول نَحو مئة مقعد، ولم يستوعب أفراداً أصرّوا أن يكونوا في وسَط الوسَط من الصف الأول.
فيا حضرة “رُكَّاب الصفّ الأول”، يا ثقيلي الدم في إحراج منظِّمي الاحتفالات: إذا كانت قيمتُكم في المقعد، فأنتم إذاً بلا قيمة خارج الكرسي. وإذا كنتم أصلاً بلا قيمة، فلن يَجعل لكم الكرسي أيّ قيمة ولو جلستم على المنبر لا أمامه في الصف الأول. فالجالس على الكرسي هو الذي يعطي القيمة للكرسي، ولن يعطيكم الكرسيُّ المستوى والرفعة التي تَنْشُدون.
المتواضع الممتلئُ بذاته وبقيمته، أنّى جلس، يشُعُّ بقيمتِه فيصبح مقعدُه، حيث هو، هو الصف الأول ولو كان مقعدُه في الصف الأخير. أما المتكبِّر المغرور الأجوف، أو مَن يأتي مُمثلاً عن شبيهٍ له في الغرور والتكبُّر، فلو جلس في قلب القلب من الصف الأول، لن يزيد المقعدُ عليه ذرَّةَ احترام من الناس الذين سيرون منه فراغ رأسه لا امتلاء الكرسي الذي جلس عليه.
يا “رُكَّاب الصفّ الأول”: رُبَّ ذي قيمةٍ يظلُّ واقفاً في احتفال، ويَملأ كرسياً لم يَجلس عليه. ورُبَّ مَن بلا قيمة يَملأُ كرسياً في الصف الأول ويظلُّ مقعدُه فارغاً ولو اسْبَطَرَّ عليه بثقل دمه وجسمه. فالفراغ ليس فراغَ الكرسي بل فراغُ الرأس الذي يظن امتلاءَه يتمُّ بِجلوسه على كرسي فارغ في الصف الأول، لأنّ الكرسي، رغم هذا الجالس عليه، سوف يظل فارغاً.