الحلقة 709: … وأخيراً: بيت الياس أبو شبكة متحفاً
لـيوم الأربعاء 11 حزيران 2008
بعد نَحوٍ من ثلث قرنٍ على التحضيرات، ها هو بيتهُ اليوم، أخيراً، يتكرَّس متحفاً.
اليوم تُكْرِمُهُ زوق مكايل، وبه تتكرَّم، وتضيف إلى أمْجادها الزوقية الحديثة أنّها تضمُّ في أرجائها متحفَ ابنها الشاعر الياس أبو شبكة الذي كان له وَلَهٌ ببلْدَتِهِ، شغفٌ بإطارها الطبيعيّ، وذكرياتُ صباً وشبابٍ وحُبٍّ، ونتاجٌ أدبِيٌّ مدهشُ الغزارة في عمر قصير. فحين أغمض عينيه إلى الأبد في المستشفى الفرنسي صباح الاثنين في 27 كانون الثاني 1947، ترك وراءه حجماً من الكتابات، شعريِّها والنثريّ، ما لا يكتبه أديب بلغ التسعين.
ويكون أنّ معظم نتاجه، كتبه في بيته (في “الحارة” كما يدعوها أهالي الزوق) حتى إذا غاب، وكادت الحارة تندثر بالإهمال وعوادي السنوات، وتشلَّعَت منها الأبوابُ والشبابيك، وكادت تقتلعها جرافة الهدم المرعبة، إنبرى لَها ابن زوق مكايل، رئيس بلديتها المحامي نُهاد نوفل فسعى إلى استملاك العقار أولاً كي ينقذَه من البيع، ثم راح يعمل، بتُؤَدَةٍ واثقةٍ دؤوب، على استرجاع روح البيت، حجراً حجراً، غرفةً غرفة، أثاثاً أثاثاً، فاستعاد سريرَ أبو شبكة نفسَه، وخزانتَه نفسَها، وطاولتَه نفسَها، وأغراضَه الخاصة: قلماً ونظارتين ومِحفظةَ نقودٍ، وأوراقاً ومَخطوطاتٍ نثريةً وشعريةً، ورسائلَ منه وإليه، وما أكثرَها، وصوَراً فوتوغرافيةً نادرة ترقى إلى والدَي الشاعر ووالدته، وشقيقته ماري وزوجها في نيويورك، وشقيقته فرجيني، ومؤلفاتِ أبو شبكة في طبعاتِها الأُولى، وكلَّ ما يتَّصل بالشاعر من أغراضٍ تيسّر إيجادُها، وعهد بِها الرئيس نوفل، تصميماً وتنفيذاً، إلى الفنان الذواقة اللبناني العالَمي جان لوي مينغي مهندس الديكور الداخلي الشهير، فأطلع المتحفَ رائعة معمارية هندسية داخلية تعادل في أناقتها ووظيفيّتِها المتحفية أرقى متاحف العباقرة الكبار في العالم الراقي.
وقبل إحدى عشرة سنة (سنة 1997) في خمسينية غياب الشاعر، أطلق القصر البلدي في زوق مكايل مهرجان الياس أبو شبكة مع كبار الشعراء، وتِمثالَ الشاعر قبالة بيته، وجهوزيّةَ البيت ليتحوّل متحفاً في وقت قريب.
وها هو الوقت القريبُ انتهى، وبعد سنواتٍ مُضْنيةٍ أمضاها نُهاد نوفل في إنقاذ البيت وتَهيئة المتحف، ها هي زوق مكايل عصر اليوم (الأربعاء 11 حزيران 2008، وهو تاريخ يُحفظ للتاريخ) تَحتفل بتدشين متحفِ الياس أبو شبكة، حاضن تراث الشاعر، وهو سيكون مفتوحاً أمام تلامذة المدارس وطلاّب الجامعات وذوي الاختصاص والاهتمام الأدبي، لؤلؤةً أدبيةً ستكون واحةً مُشِعَّةً في سياحة لبنان الثقافية، لتضيفَ إلى لبنان الإبداع منارةً جديدةً تضيء على الدنيا، فيصحّ قول الياس أبو شبكة نفسِه عن لبنان سنة 1945:
لبنان أولك الدنيا وآخرك الدنيا … وبعدَك لا أُفْقٌ ولا شُهُبُ
مبروك لزوق مكايل متحفُ ابنها الياس أبو شبكة.
والأمنيةُ الأغلى، أن تَحتفل كلُّ بلدة ومدينة وقرية ودسكرة في لبنان بكبيرٍ منها أعطى لبنانَ شعَّةَ إبداعٍ، على أمل أن يتوافر لَها رئيسُ بلديةٍ مثقفٌ رؤيويٌّ من مستوى نُهاد نوفل.