الحلقة 687: على صدرها أيقونة لبنان
الأحد 23 آذار 2008
دخلَتْ على الاحتفال، بِمهابتها وحضورها وشخصيتها، وسط تصفيق جمهورٍ كثيف جاء يَحضر تكريمها في قاعة مكتظة بالذين جاؤوا يُحيُّون السيدة التي باتت نَجمة العمل الاجتماعي والإنساني تعطي بيدها اليمنى ما لا تدري به اليد اليسرى.
وانتهى الاحتفال، وتكوكب الجميع حولَها مهنّئينها بالتكريم، شاكرينَها على ما تقوم به من أعمال خيَِّرة للمجتمع الأهلي اللبناني، فَلَفَتَتْهُم على صدرِها أيقونةٌ مذهَّبة، تتدلّى بزهْوٍ وكِبَر. والأيقونة: خارطة لبنان مفرَّغة، وفي وسطها أرزة لبنان.
سيّدةٌ من الجمع لم تستطع أن تكتُم. لا تسآلَها ولا نقاشَها بل تأَثُّرَها مِما رأَتْ في عنق السيدة الكبيرة. سألَتْها باندفاع اللبنانية المؤمنة، فأجابت السيّدة الكبيرة: “هذه أيقونتي كلَّ يوم. أحملُها كلّ يوم. لا أخرج من دونِها. إيمانيَ الدينِيُّ عميقٌ في قلبي. أما الذي يظهر للناس، فإيماني الوطني، إيماني اللبنانيُّ بوطني، أحملُ في عنقي خارطتَه كلَّه، كلَّه في عنقي، وفي قلبه أرزةُ لبنان عنواني ورمزُ علَم وطني. لَيْتَكُنَّ يا سيداتي تفعلْنَ هكذا: تَحملْنَ في أعناقِكُنَّ خارطةَ لبنان وفي قلبها أرزةُ لبنان، فَتَتَعالَين على المذهبية والمناطقية، يعلو فيكُنَّ الدينُ الذي لله، ويزيِّن أعناقَكنّ الوطن الذي للجميع. إحترمْنَ مذاهبَ بعضِكُنَّ بعضاً، بِحمْل إحداكُنَّ مصحفاً أو كتاباً أو أيقونةَ العذراء أو صليباً، إنما فاحترمْنَ بعضَكُنَّ بعضاً بِحمل جميعِكُنَّ أرزةَ لبنان في قلب خارطة لبنان، فيبقى مذهبُكُنَّ الفرديُّ للداخل عبادةً مقدسةً تَقَوِيّة، ويبدو مذهبُكُنَّ للخارج انتماءً جَماعياً واحداً إلى وطنِكُنَّ لبنان”.
وسكتَت السيدة الكبيرة، فساد صمتٌ حولها في عيون الجميع، وغادرت الجمعَ بِهيبَتها وشخصيتها وقامتها اللبنانية العالية، وبقيَ في قاعة الاحتفال صوتُها يردِّد في النسوة الحاضرات: “ليَكُنِ مذهبُكُنَّ انتماءً جَماعياً واحداً إلى وطنِكُنَّ لبنان”.
هذا هو لبنان، لبنان الحقيقي، المُحتَرِمُ المذاهبَ والعقائد، واحةُ المذاهبِ والعقائد، أرضُ اللقاء والحوار، وطنُ السلام الذي يَجمع العائلات الروحية جميعَها في مسجدٍ هنا وكنيسةٍ هناك وخلوةٍ هنالك، فيتعانقُ صوتُ المؤذِّن مع صوت جرس الكنيسة، ويغرقُ المؤمنون خاشعين بصلواتِهم انتماءً في الداخل إلى الله كلٌّ على دينه، وفي الخارج انتماءً جَماعياً واحداً إلى الوطن الواحد: لبنان.
دخلَت على الاحتفال، بِمهابتها وحضورها وشخصيتها، على صدرِها أيقونةٌ مذهَّبة، تتدلّى بزهْوٍ وكِبَر. والأيقونة: خارطة لبنان مفرَّغة، وفي وسطها أرزة لبنان.
وحين غادرت الاحتفال، تركَت في الحضور حضورَين: أعمالَها الإنسانية النبيلة، وتأثيرَها في الجمع أنّها لا تَحمل في عنقها مسؤوليةً وإيماناً واعتناقاً إلاّ أيقونةً واحدةً وحيدةً موحَّدةً موحِّدةً جميع اللبنانيين المؤمنين من أيّ مذهب وأية طائفة: خارطة لبنان مفرَّغة، وفي وسطها أرزة لبنان.