الحلقة 684: رئيس الجمهورية الآتي وسيفه الذي على الفساد
الأربعاء 12 آذار 2008
بعد الهزة التي ضَربَت صور ومُحيطَها قبل أيام، بدأت تظهر الدراساتُ العلمية والتحاليلُ الجيولوجية، خصوصاً بعدما طَفَتْ على سطح الشعور تردُّداتُ الهزة، ضعيفُها وبعضُ القوي، ومعرفةُ الناس العاديين ما يسمى الفوالق في بطن الأرض، من فالق هنا إلى فالق هناك، حتى خافَ البعض من أن يكون لبنانُ فعلاً على خط الزلازل، كأنْ ليس يكفيه ما يزلزله أرضاً وشعباً وكياناً ومصيراً تناهُشُ “بيت بو سياسة” على قالب الجبنة.
غير أن من أغرب ما طالعْنا في أحدث هذه الدراسات الجيولوجية المتخصِّصة، أنّ الهزة التي ضربت الجنوب اللبناني بِخمس درجات حسَب مقياس رِخْتر، ليس متوقَّعاً منها أكثرُ من اهتزازٍ واضحٍ يشعر به مَن في الداخل، وربّما أوقعت كوباً عن رفّ، أو أزاحت كرسياً بضعةً من متر، أو كسَرَتْ لوحاً زجاجياً في شباك عتيق.
بينما تلك الدرجاتُ الخمس نفسها، أدّت في جنوب لبنان إلى سقوط شرفاتٍ وتصدُّع أبنيةٍ وتشقُّقِ جدرانٍ وترْكِ مساكنَ ومنازلَ كثيرةٍ غيرَ صالحة للسكن، أو في حاجة إلى ترميم كلِّيٍّ أو شبهِ كلِّيٍّ كي تعودَ آمنةً ليعودَ إليها شاغلوها.
هذا يدلُّ بوضوح إلى استهتارٍ بأرواح الناس عند بناء تلك المساكن والمنازل والبنايات. ومع احترامنا الكامل لنقابة المهندسين التي نعرف أنها لا توقّع على خارطةٍ قبل أن تتأكد من استيفائها الشروطَ المعمارية والبيئية والمحيطية والجيولوجية، ومع ثقتنا بأن بلدياتٍ عدّةً لا تعطي رخص العمار إلاّ إذا كانت متمَّمَةً جميعَ الشروط، يتبيّنُ لنا أن حوادثَ من هذا النوع المأساوي أو الفاجع أو الكارثيّ ناجمةٌ عن أحد أمرين: إما أنّ المبنى مبنيٌّ بدون رخصة بناء (أي لم يمرّ على مهندس ولا على النقابة ولا على البلدية) وإما أنه مَرَّ لكنّ المقاول لم يلتزم بشروط معايير البناء (باطوناً وحديداً وأساساً ومقاييس معمارية)، ما جعل تلك الأبنية كرتونيةً حتى انهارت عند هزةٍ ليس متوقعاً منها أكثرُ من إيقاعِ كوبٍ عن رفّ، أو إزاحةِ كرسيٍّ بضعةً من متر، أو كسْرِ لوحٍ زجاجيٍّ في شباك عتيق.
وفي الحالتين، هذا أمر لا يَحدث إلاّ في مُجتمعات مُتخلِّفة حيث الدولة غائبةٌ، والبناء عشوائي، والرقابة مفقودة، وأرواحُ الناس رخيصةٌ لا قيمة لها. وما هكذا لبنان، ولم يكن هكذا لبنان، ولا يُمكن أن يكون.
رئيسُ الجمهورية الآتي، أياً يكن الذي سيصل، وأيانَ يأتِ من سيصل، أوّلُ سيفٍ عليه أن يَحملَه وبهِ يضرب: سيفٌ على فسادٍ مُجرمٍ جعلَ أرواح الناس رخيصةً إلى حدِّ أنْ تتصدَّعَ بيوتُهم بِـهَزَّةٍ ليس متوقعاً منها أكثرُ من إيقاعِ كوبٍ عن رفّ، أو إزاحةِ كرسيٍّ بضعةً من متر، أو كسْرِ لوحٍ زجاجيٍّ في شباك عتيق.