676: لن تستطيع دولة أن تحكم شعباً يرفض وجودها

الحلقة 676: لن تستطيع دولة أن تَحكم شعباً يرفض وجودها
الأربعاء 13 شباط 2008

سنة 1973 اتّخذ الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون قراراً بإنهاء مشاركة الجيش الأميركي في الحرب الڤيتنامية، وألقى للشعب خطاباً جاء فيه:”لو اجتمعت جميع جيوش الأرض قاطبةً لِمواجهة الجيش الأميركي لَسَحَقَهَا جميعاً، هو الذي يَملك صواريخَ ذاتَ رؤوسٍ نوويةٍ عابرةً القارات، وطائراتٍ تفوق سرعتُها سرعةَ الصوت، وأساطيل بَحْريةً تَجتاح بِحار العالم، وغواصاتٍ كبيرةً قادرةً على البقاء تَحت المياه 90 يوماً ولا تعوم، لكنّ الولايات المتحدة، رغم جيشها القوي الهائل، لا تستطيع أن تَحكُمَ شعباً يرفض وجودَها، ويناضل في سبيل التحرُّر لاستعادة حرّيته واستقلاله”.
وبدأت القوات الأميركية تنسحب، تاركةً لشعب ڤيتنام لَملمة جراحٍ خلّفتها الحرب على أرضه. وأكمل الانسحابَ الرئيسُ الأميركي التالي جيرالد فورد، واضطرّ خَلَفُه التالي جيمي كارتر أن يعتذر لأهل الضحايا الذين سقطوا في حرب ڤيتنام.
أياً تكن الظروف التي أدّت بالرئيس الأميركي إلى إدخال جيشه في حرب فيتنام، والظروف التي أدّت إلى قراره بالانسحاب، فما يَهُمُّنا هو قولُه: “الولايات المتحدة، رغم جيشها القوي الهائل، لا تستطيع أن تَحكُم شعباً يرفض وجودَها”.
وفي التاريخ أمثلةٌ كثيرةٌ من دولٍ صغيرة قاومت دولاً كبرى كانت تَحكُمُها وتسيطر عليها وتَحتلّها، ثم خرجَت الدول الكبرى وتَحرَّرت الدول الصغيرة المقهورة بفضل نضالها من أجل الحرية والسيادة والاستقلال.
وذات يوم، قبل بضع سنوات، روى لي السفير البولوني في بيروت، تفاصيل من معاناة الشعب البولوني طوال ما يزيد عن مئة وخمسين سنة، كانت بولونيا خلالَها رازحةً تحت احتلال ثلاث دول مُجاورة. مشلَّعةً كانت، مُجزَّأةً مقسَّمة، مفتَّتةً مفكَّكة، ولم يـيأس شعبُها من النضال حتى تَحرّرَت وانسحبَت جيوش الاحتلال.
ولنا في تدمر، التي احتلّتها روما الهائلة، أمثولةُ الشعب الذي رفض سيطرة روما، وتَحرّر، ولو انّ ملكتَه انقادَت مكبَّلة إلى روما تَحت نَهْرَة خيل أورليانوس القائد الروماني. وكذلك تَحرّرَت من روما الشاسعة الواسعة مَملكةُ پـترا فاستقلَّت بضآلة جغرافياها ونضال شعبها.
هذا لنقول إن لبنان الذي ظلَّ أربعمئة سنة رازحاً تحت نير السلطنة العثمانية، تَحرَّر منها بِمساعدة دولٍ وضعَت حداً لاحتلاله، ولو انّها عادت فانتدبَت عليه بشكل أو بآخر، ولا تزال تُحاول، فإنّما هو هذا قَدَرُه، هذا البلدُ الصغيرُ الحجمِ الضئيلُ الجغرافيا والديمغرافيا، أن يظلَّ مَحطَّ شهوات الدوَل، تَحتلُّه، تنتدبُهُ، تتولَّى الوصاية على شعبه، لكنّ فيه شعباً لا يَخضع ولا يركع ولا يشبع من اطّلاب الحرية، ومن الإيمان بأنّ لبنانَ الوطن يستاهل كلَّ هذا النضال لِـطرد اليوضاسيين من الهيكل، وتنقيةِ الهيكل من المباعين إلى زبانية الهياكل.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*