الحلقة 663: حين يغضب الخبراء في لبنان
(الأربعاء 26 كانون الأول 2007)
لم يعُد جديداً ما نسمعه من الإذاعات وشاشات التلفزيون وفي المجالس الخاصة والعامة من غضب المواطنين في لبنان واللبنانيين خارج لبنان، على سياسيين أوصلوا لبنان إلى هذه الحالة الفاجعة. لكنّ هذا الغضب انتقل إلى خبراء باتوا يرفعون الصوت لا تنظيراً عمومياً في المطلق، بل في التوجه مباشرةً إلى هؤلاء السياسيين.
ففي عدد واحدٍ من جريدة “النهار” (الأحد أول من أمس) وعلى الصفحة الأُولى نفسها، صرختان مدوّيتان من خبيرَين كبيرَين في الشأن السياسي والاقتصادي: الدكتور كلوفيس مقصود من واشنطن، والدكتور مروان اسكندر من بيروت.
ها الدكتور كلوفيس مقصود يصرخ: “عندما يتحوّل القلق غضباً تبقى الأزمة قابلة للمعالجة. وإذا تحوّل الغضبُ استياءً من الحالة اللبنانية يقترب المواطن من اللامبالاة، وتالياً، وهو الأخطر: من القرف، ثم من اللاانتماء. ويبدو أن معظم اللبنانيين يمرون في جميع هذه المراحل من الاكتئاب. وهذه حالة في منتهى الخطورة”. ويضيف كلوفيس مقصود في مكان آخر من مقاله في “النهار”: “حان للضمير أن يستفيق من غيبوبةٍ أفرزت ما كان يجب ألا يكون وهو وضْعُ المواطنين أمام احتمالين: القرف أو الهجرة، وتالياً: خروج لبنان، صانع التاريخ، من التاريخ”. ويختم في مكان ثالث: “لم أكن أتوقع هذا المدى من اللامسؤولية وهذا المستوى من الارتهان”.
وها الدكتور مروان اسكندر عَنْوَنَ مقاله: “أيها المتحكّمون، أَوقِفُوا الضرر”، وصرخ: “أيها النواب، تتحكَّمون بمصير البلد وبمستوى معيشة أهله المنخفض كل يوم. فانظروا إلى ما تسبّبونه من اختناق لبنان وضيق اللبنانيين”. وفي مكان آخر صرخ: “حرب تموز2006 أوقعت أضراراً في الممتلكات والبنية التحتية والمصانع والبيئة ومداخيل الخزينة تجاوزت سبعة مليارات دولار، إلى أضرار مادية وبشرية لا يجوز تقويمها بالأرقام كهجرة الشباب التي لا تقدَّر بمبلغ، ثم جاءت أضرار الاعتصام وحرب نهر البارد فسبّبت دمار القطاع السياحي لسنة 2007. ورغم كل ذلك لم تقرّ الحكومة مشروعاً لدعم الاقتصاد، ولا اجتمع المجلس النيابي، ولو استثنائياً، لإقرار قانون تقسيط الديون وخفض الفوائد”. ويختم مروان اسكندر غاضباً: “أيها المتحكمون، نواباً ووزراء، ارحموا لبنان والتفتوا إلى الفرص الضائعة. وإذا مضيتم في تعاميكم عن حاجات الناس فسيكون حكم التاريخ عليكم قاسياً، بعدما كفر اللبنانيون بتصرُّفاتكم واعتكافاتكم وتأخيركم الاستحقاق الرئاسي”.
إذا كانت صرَخات الناس باتت عادية، فهذان نموذجان من صرَخات خبراء كثيرين في السياسة والاقتصاد. ألا فليفهم معظم هذا الطقم السياسي أن الغضب يكبَر، واللعنة تكبَر، والقرف يكبَر، وسيأتي يومٌ لن يعود فيه يَحتمل الناس سياسيين كيديين عنيدين متوتّرين موتورين متشنّجين أنانيين شخصانيين شتّامين آخذين وقتَهم في أن يتباروا بالشتائم والتهم، وهُم قاعدون على رؤوس الناس، متحكِّمون بمصائر الناس، وسياساتهم الكيدية جعلت لبنان رصيفاً لميناء الهجرة إلى أوطان الآخرين.