الحلقة 659: وكان لبنان بيننا في واشنطن
الأربعاء 12 كانون الأول 2007
حين دعتني “مؤسسة التاريخ العربية الأميركية” لإلقاء مُحاضرة عن كيفية الحفاظ على التراث اللبناني، من خلال تجربتي مديراً لـ”مركز التراث اللبناني” في “الجامعة اللبنانية الأميركية” (LAU)، وذلك في المؤتمر الذي نظّمته المؤسسة في موضوع: “إحياء التراث العربي الأميركي”، وقرأتُ أسماء المحاضرين معي في المؤتمر، خلتُني سأكون الوحيد الذي يتحدّث عن لبنان بين المتداخلين والمحاضرين، ظانّاً أنهم سيتحدثون عن الهجرة العربية إلى أميركا وتأَثُّراتِها وتأثيراتها.
غير أنني عاينتُ ما يذهل حقاً. فالدكتور شاول سوسنوفسكي (مدير البرنامج الدولي في جامعة ميريلند) قال إنه سيرافق رئيس الجامعة إلى مصر، ويتمنى أن يمرّ معه بلبنان إذا سمحت أحوال لبنان، لأنه عنصر رئيسٌ في التراث العربي الأميركي. والدكتورة عنان العامري (مديرة المتحف العربي الأميركي في ديترويت) شدَّدت على دور أليكسا ناف (اللبنانية الأصل) في جمع التراث العربي منذ فجر الهجرة العربية إلى أميركا، وركّزت على اللبنانية عفيفة كرم رائدة الصحافة النسائية العربية في أميركا، والدكتور مايكل سليمان (أستاذ العلوم السياسية في جامعة كانساس) ركّز على أولوية أنطونيوس البشعلاني اللبناني في افتتاح الهجرة إلى أميركا، وعلى دور اللبنانيين نعوم وسلوم مكرزل في جريدة “الهدى” النيويوركية الشهيرة، والدكتور إدمون غريب (الأستاذ في الجامعة الأميركية) أضاء على دور والده اللبناني أندرو غريب، ابن عيتا الفخار، في ترجمة آثار صديقه جبران العربية إلى الإنكليزية، والدكتور مايلز برادبُري (أستاذ التاريخ في جامعة ميريلند) ركّز على ريادة أمين الريحاني في الأدب العربي الأميركي، والدكتور سامي أسمر (العالِم في وكالة ناسا الفضائية) سمّى ثلاثة كبار من العرب الأميركيين في وكالة ناسا لهم دور بارز في إدارة رحلات الفضاء الخارجي، بينهم اثنان من لبنان: شارل العشي ومصطفى شاهين، والدكتور كلوفيس مقصود شدّد في مُحاضرته على دور اللبنانيين في الريادة هنا في أميركا، والدكتورة سوسن الهادي (أستاذة في جامعة نيوزيلندا) كانت مُحاضرتُها عن جبران في الصين، والدكتور عرفان شهيد (أستاذ الأدب العربي في جامعة جورج تاون) كانت مُحاضرته عن أمين الريحاني رسول العلاقات العربية الأميركية. والبروفسور سهيل بشروئي، لولب هذا المؤتمر الكبير، معروفٌ أمره في كتاباته وكتبه ومحاضراته عن جبران.
الى هذا، حمل كتيب المؤتمر على غلافه الأول صورة جبران ونعيمة، وحمل غلافه الأخير صورة حديقة جبران على جادة ماساشوستس (في واشنطن)، وحمل في داخله صفحة كاملة عن مشروع الطابع البريدي الذي سيصدر قريباً عن جبران، ومقالاً للّبناني فيليب حتي عن أوائل المهاجرين العرب الأميركيين. فإذا بهذا المؤتمر يتحوّل تَمجيداً لعبقرية اللبنانيين في صنع الحضور العربي الأميركي.
أيضاً وأيضاً، هذا هو لبنان، لبنان الحقيقي، لبنان مفكريه ومبدعيه شعراء وأدباء وصحافيين وعلماء ورواد معرفة وإبداع. وهذا ما يجعل لبنان وطن الروح اللبنانية التي تمتد جذورها وجذوعها وفروعها في جميع العالم، فتسطع شمسها نوراً لا يغيب.
وشتان بين ما أسمعه عن لبنان من السياسيين في لبنان، وما سمعته هنا عن لبنان من أكاديميين غير لبنانيين.
كنتُ معكم من واشنطن. إليكم بيروت.