650: ضحايا السير… ضحايا غياب الدولة

الحلقة 650: ضحايا السير… ضحايا غياب الدولة
(الأحد 11 تشرين الثاني 2007)

مرعبةٌ ومُحزنةٌ معاً تلك الأرقام التي ضمّنتْها جمعيةُ الـ”يازا” توصياتِها إلى الحكومة والرأي العام، منتصَفَ هذا الأسبوع، حول ضحايا حوادث السير في لبنان واقتراحاتِها لاستدراك هذا الوضع الخطير. وجاء في البيان أنّ أكثر من 830 شخصاً قضَوا حتى مطلع تشرين الثاني الحالي، ونحو عشرة آلاف أُصيبوا، بحوادث سير على طرقات لبنان.
معقول هذا الرقم؟؟؟؟ 830 شخصاً في عشْرة أشهر. يعني بمعدل 83 شخصاً كل شهر، أي نحو ثلاثة أشخاص كل يوم. والمصابون نحو عشرة آلاف، يعني بمعدل ألف شخص كلّ شهر، أي أكثر من 30 شخصاً كل يوم. فهل يَعقُل عقلٌ أو عاقلٌ أن يموت في لبنان كل يوم ثلاثة أشخاص، ويسقط جرحى أو معطوبين أو معاقين في عطل دائم ثلاثون شخصاً كل يوم؟
وهل حكوماتٌ تسمّي نفسها حكومات وترضى بهذا الرقم؟ وهل في الحكْم مَن يتوالون على الحكْم ويدّعون انهماكهم بأمور أكثر إلحاحاً من مقتل ثلاثة أشخاص كل يوم، وإصابة ثلاثين شخصاً كل يوم؟
لا نكونَنَّ كثيري النَّق ونجعلِ الدولة مكسر عصا، ولو ان جسمها “لبّيس” منذ كان لها جسم، ولكنّ هذا لا يُعفي السائقين من المسؤولية، لرعونتهم وقلّةِ أخلاقهم وقلّةِ مسؤوليتهم وزعرنتِهم وفلتانِ ضوابِطهم وتفاهةِ تصرفاتِهم وعماهم وهَوْجَنَتِهم ومراهقتِهم واغتصابِهم جميعَ قوانين السير: سرعةً، وسيراً عكس السير، وعدمَ التوقُّف على الضوء الأحمر، والقيادة بدون رخصة، إلى سائر اغتصابات وقحة لكل قانون سير وإشارات سير وشرطة سير.
ولكنْ… جميعُ هذه المخالفات ما كان يمكن أن تحصل، أقلَّه بهذه الكثرة اليومية، لو كانت الدولة حاضرةً على الطرقات كما يجب أن تكون حاضرة. فحين السائقُ الأرعن يسير، نهاراً أو ليلاً، من أقصى الناقورة جنوباً إلى أعلى النهر الكبير الجنوبي شمالاً، ومن رمل البحر ساحلاً حتى أقاصي الشرق جبالاً، ولا يرى على الطريق شرطيَّ سيرٍ واحداً، أو يراه منتحياً جانباً من الطريق في الظل من حدَّة الشمس يعلك أو يدخّن أو يتحدّث بالخلوي، أو يتحدث مع رفيقه أو مع صديق له في الطريق، وحتى لو كان واقفاً كما وحيثُما يجب أن يكون واقفاً، فهو بدون فاعلية ولا هيبة ولا قوة ردع، لا هو يوقف مخالفي السرعة، ولا هو يردع الآتين عكس السير، ولا هو يعاقب من يعبر على الضوء الأحمر فيما يكون هذا الشرطي “الحَنْشَليل الجهبوز الغَضَنْفَر” واقفاً تماماً تحت إشارة السير لكنه تماماً كعمود الإشارة: لا حضور له ولا فاعلية ولا هيبة ولا سلطة.
أمام هذه الهول في غياب الدولة على الطرقات، لم يعُدْ مستغرَباً أن يموتَ كل يوم ثلاثة أشخاص، ويسقطَ كل يوم ثلاثون شخصاً جرحى ومعطوبين ومعاقين. وما دامت الدولة غائبةً عن الطرقات: زفتاً وحواجز وإشاراتٍ وإنارةً ورجالَ شرطة سير، فسوف يزداد هذا العددُ المأساوي الفاجع، ومهما “تَعَنْتَرَ” السياسيون في طروحاتهم السياسية التنظيرية الشمّاء، فلن يكونوا في خدمة الناس، كما يدّعون، إلاّ بالعمل على نزول الدولة إلى الشارع، لا لردع المظاهرات بل لردع الذين يسبِّبون برعونتهم موتَهم أو موتَ الآخرين، وفي الحالتين هذه في رأس مسؤوليات الدولة التي تستحقّ أن تسمى دولة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*