الحلقة 640: “ليس للبنان دياسبورا ولا شَتات ولا نزوح”
(الأحد 7 تشرين الأول 2007)
في بحث أكاديمي معمَّق للأستاذة الجامعية الدكتور نجوى نصر (يصدر قريباً لدى منشورات مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU) توضح اللغط الحاصل بين كلمة migration وهي تعني “النّزوح الجماعي” (من وطن الى آخر أو ضمن الوطن الواحد، وتُستعمَل عادةً للطيور) وكلمة emigration وهي تعني “الهجرة من”، وimmigration وهي تعني “الهجرة الى” و”الاستقرار في”. وأكثر: توضح أنّ كلمة diaspora (التي يتشدّق بها الكثيرون كتابةً وخطابةً متباهين بها عن وساعة لبنان في الخارج) هي كلمةٌ مغلوطةٌ لا تصُحّ مطلقاً على لبنان واللبنانيين في الخارج، لأن كلمة “دياسبورا” تعني “الذين في الشَتات” (أي الذين بلا وطن).
في هذا السياق، تعمَّد السفير فؤاد الترك (كبير خبرائنا في الموضوع) أن يوضح أنَّ اللبنانيين ثلاثة: مغترب (وُلِد في لبنان ثم غادر)، ومتحدّر (وُلِد في الخارج من أب مغترب ويحمل جنسية البلاد التي وُلِد فيها)، والذي يحمل الجنسيّتين معاً (جنسية البلاد التي وُلِد فيها والجنسية اللبنانية). وحسم السفير فؤاد الترك اللغط بين “مغتربين” و”مهاجرين” و”متحدِّرين”، بعبارة “عالم الانتشار اللبناني”، فوسَّع بذلك أفق لبنان في العالم.
بالعودة الى بحث الدكتورة نجوى نصر، يتّضح أن اللبنانيين لم ينْزحوا جماعياً (من وطنهم الى وطن آخر) وتالياً لا تنطبق عليهم كلمة migration، وخصوصاً: لا تنطبق عليهم كلمة “دياسبورا” لأن اللبنانيين في الخارج ليسوا لبنانيّي الشَتات (كالذين بلا وطن)، بل هم لبنانيو الانتشار اللبناني في العالم، لأنهم انتشروا من لبنان ولا يزالون أبناء هذا اللبنان الحاضر الثابت الموجود في قوّة على أرضه وفي قلوب أبنائه.
فلْيتوقف استعمال كلمة “دياسبورا” لأنها أصلاً كانت تعني اليهود الكانوا بلا وطن، مَسْبِيِّين نَزَحوا جماعياً من مصر الى بابل، ثم الى الجليل في فلسطين، وظلُّوا مشرَّدين في الشَتات بلا وطن، حتى اغتصبوا أرض فلسطين وأسسوا عليها دولة إسرائيل فتوقَّفوا عن استخدام كلمة “دياسبورا” معتبرين أنهم لم يعودوا في الشتات (كما طوال تاريخهم) بل صار لهم وطن، ولو اغتصبوه من أهله في فلسطين.
هكذا إذاً: فلنفهمْ تماماً معاني الكلمات قبل أن نستخدمها اعتباطاً أو انسياقاً مع موجة، خصوصاً في الكتابة والإعلام حين تروج كلماتٌ يتناقلها الإعلاميون والصحافيون من دون التدقيق فيها، فتصبح خطأً شائعاً مُتداوَلاً حتى الاعتماد الجماعي.
إذاً: ليس للبنان “دياسبورا” (لأن اللبنانيين في العالم ليسوا أبناء الشتات)، ولا للبنان “نزوح جماعي” من وطنهم الى وطن آخر (migration)، بل هوذا لبنان باقٍ في أرضه، وفي قلوب أبنائه المنتشرين، منارةً تحجبها الغيوم السُّود لكنها لا تطفئ شعلته التي لن تطفئها رياح الأرض مهما عصفَت عاتيةً، لأن نور لبنان عنوانٌ للتاريخ من أول التاريخ على الصفحة الأولى من كتاب التاريخ.