الحلقة 631: لا جيشُ لبنان وحسب بل كلُّ لبنان
(الأربعاء 5 أيلول 2007)
الذي انتصر في نهر البارد لم يكن جيشَ لبنان وحسب، بل كلُّ لبنانيٍّ، بفضل جيش لبنان.
والذي يستحقُّ التهنئة، ليس جيشَ لبنان وحسب، بل اللبنانيون في لبنان وفي عالم الانتشار اللبناني بفضل جيش لبنان.
فَما عاينَّاهُ من قلقِ اللبنانيين في لبنان خلال مئة وستة أيام في نهر البارد دلَّ على كم انّ اللبنانيين متلهّفون على حجم قلقهم لكسر شوكة الإرهاب نهائياً.
وما بلَغَنا من متابعة اللبنانيين في العالم يومياً تطوّرَ المعارك في نهر البارد، دلَّ على كم انّ اللبنانيين في العالم ينتظرون ضربة الجيش القاضيةَ على وكرٍ من خلايا نائمة وناشطة، حتّى يستعيد اللبنانيون في العالم نَفَساً من أنفاس الكرامة.
واليوم؟ ماذا بعد؟ اليوم بعد معارك مئةٍ وستة أيام، وسقوط مئة وسبعة وخمسين شهيداً من أغلى شبابنا في الجيش، وسقوط عشراتٍ من الجرحى في صفوف أحبابِنا الغالين من شباب الجيش، ماذا بعد؟
أيكفي تَمَهْرُجُ الاحتفال بالانتصار في جميع المناطق اللبنانية، وتبادلُ التهاني بين بعضنا البعض، ورفعُ التهاني إلى الجيش: قائداً بطلاً، وقيادةً حكيمةً صبورة، وأفراداً نصافِحُهم بفرح النصر كلّما التقيناهم: في شارعٍ، أو عند حاجزٍ، أو في أيّ لقاء؟
ماذا بعد؟ الآن جاءَ دورُ هذا الـ”بَعد”. البعدُ الذي يبدأ الآن. البعدُ الذي يتعلّم من أمثولةِ نهر البارد. البعدُ الذي لن يكونَ بعدهُ إلاّ الولاءُ الأوّلُ والأخيرُ والواحدُ والوحيدُ والأوحَدُ إلى لبنانَ الدولة -والجيشُ ركنُها-، وإلى لبنانَ الدولة -والأمنُ أساسُها-، وإلى لبنان الدولة -والأمانُ شرطُها لتكونَ دولة-.
ماذا بعد؟ مَن كانوا مؤمنين، ليسوا في حاجةٍ إلى إيمانٍ بعد، فإيمانهم بالدولة تَثَبَّتَ أكثر. ومن كانوا مشكِّكين، رسّخ جيشُ لبنان إيمانَهم بقدرةِ الذراع العسكرية اللبنانية الشرعية. أما اليوضاسيُّون الفرّيسيون المستزلمون لخارج الوطن، فلا مكانَ لهم بعد اليوم إلاّ إذا اعتنقوا إيمانَ أنْ وحدَها دولةُ لبنان، بذراعها الشرعية اللبنانية، قادرةٌ على بسط الأمان فوق كلّ شبرٍ من أرض لبنان.
وما كان لجيش لبنان أن يُحقِّق هذا النصر، لولا وَحدةُ شعب لبنان خلفه، تماماً كما لم يكن لشباب المقاومة في جنوب لبنان أن يحققوا أيَّ نصر، لولا وَحدةُ شعب لبنان خلف شباب المقاومة.
وَحدةُ الشعب، قُلت، ووحدَها الضمانة، ووحدَها نحتاجُها اليوم في مرحلة الـ ما بعد، بدءاً من اليوم.
منذ اليوم، ماذا بعد؟ منذ اليوم، وكما التففنا حولَ جيشنا العظيم فَلْنَلْتَفَّ حولَ دولةٍ نبنيها نحن، ونُحصُّنها نحن حتّى تبسط سقفها فوقنا جميعاً، يبنيها رجالُ دولةٍ يأتونَ لخدمة الدولة والشعب، لا رجالُ سياسةٍ يأتون لتَخْدُمَهُم الدولة وليَخْدُمَهُم الشعب.
رجلُ السياسة يفرّق بين الناس حتّى يصل على أكتاف الناس. أما رجل الدولة فيجمع بين الناس حتّى يجعل كتفيه معبراً لهم إلى مستقبل الوطن.
الذي انتصر في نهر البارد لم يكن جيشَ لبنانَ وحسْب، بل كلُّ لبنان بفضل الجيش. فلنجعل دولتَنا في المرحلة المقبلة، مستحقةً هذا الانتصار.