الحلقة 618: نزار ضاهر: من تلال الإرميتاج في روسيا الى طابع بريدي في لبنان
(الأحد 22 تَموز 2007)
كان ذلك ذات يوم من سنة 2003، خلال معرض فنانٍ لبناني شابّ في الثانية والخمسين، وفي صالة رافاييل التابعة لأكاديميا ريبين التي كان أولَ طالب لبناني يتخرّج منها، وبدكتوراه شرف. عامئذٍ كانت مدينة سانت بيترسبورغ (حيث أكاديميا ريبين) تعج بالمحتفلين فيها لمناسبة مرور 300 سنة على تأسيسها. وكانت دعوةٌ الى المعرض بلغت مدير متحف الإرميتاج، فانتدب ثلاثة من أعضاء لجنة الاقتناء في المتحف، يحضرون معرض الفنان اللبناني. وصلوا. تجوّلوا بين لوحات المعرض. لم تبدُ على وجوهم أيةُ إشارة. قلق الفنان اللبناني من وجوههم الحيادية التعبير. وفيما هم يغادرون، طلبوا منه سيرته الذاتية ولائحة أسعار لوحاته. أعطاهم نسخة عن سيرته الذاتية واعتذر عن لائحة الأسعار لأن اللوحات للعرض وليست للبيع. وخرجوا فخرج معهم كل أمل في قلب الفنان اللبناني. وما هي عشر دقائق حتى عادوا، بوجوه غير حيادية هذه المرة، بل بابتسامة روسية وثقى مبلغينه أن متحف الإرميتاج قرر اقتناء لوحة من المعرض. عرضوا دفع ثمنها فسبقته لهفته الفرحى الى الجواب أنْ لن يبيع بل يقدمها الى المتحف إدراكاً منه قيمة هذا المتحف العالميّ الذي شرفٌ لكل رسام أن تكون له فيه لوحة. واختاروا لوحة “تلال” (زيتية ومواد مختلفة على قماش، من 50بـ60 سنتم) مبررين اختيارها بأن “الشرق يشعُّ في ألوانها الطالعة من بلاد الشمس والضوء”. ومعها كان نزار ضاهر أول فنان لبناني يدخل متحف الإرميتاج العالمي الشهير.
وحمل نزار ضاهر خبر الفرحة الكبرى الى لبنان، وطنِه الذي من شمسه وضوئه رسم لوحاته، ومن ضيعته البقاعية تمنين الفوقا استمدّ لمسة الحنين والحنان. ولم يكن وطنه بخيلاً في تهنئته، فمنحه رئيس الجمهورية وسام الاستحقاق اللبناني الفضي سنة 2004، ونال في بيروت وسام الشرف المكرّس على إسهاماته في تعزيز الصداقة اللبنانية الروسية سنة 2005، وفي هذه السنة نفسها، صدر عن جلسة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري، نهار الخميس 6 تشرين الأول 2005، المحضر رقم 13، ومنه القرار رقم 33 وفيه حرفياً: “الموافقة على إصدار طابع بريدي تذكاري على شكل وحدة “بلوك” يحمل صورة لوحة للفنان التشكيلي الدكتور نزار ضاهر التي اقتناها متحف الإرميتاج العالمي في مدينة بيترسبورغ في روسيا خلال العام 2003 بعنوان تلال لضمها الى مجموعة هذا المتحف”(انتهى نص القرار). وصدر القرار في الجريدة الرسمية العدد 11، تاريخ23 شباط 2006.
هذه، أيضاً وأيضاً، علامةٌ أخرى من لبنان العبقريّ: تتلاطم في داخله أمواج السياسة الحرباوية المتغيرة، ويبقى العالم من الخارج يتعاطى معه بإبداعه العبقري، ويرى إليه العالم وطناً غير عادي، ضئيل المساحة، فقيراً بالسياسيين غير الفاسدين، غنياً بالمبدعين الخلاقين، بعيدَ الإشعاع الفني الثقافي حتى آخر الدنيا، لا تعتِّمه غيمة سياسية سوداء حتى تشرقه غيمة إبداعية بيضاء، كهذه التي جاءتنا من متحف الإرميتاج في سانت بيترسبورغ، من ريشة لبنانية نقية للفنان التشكيلي المبدع نزار ضاهر.