الحلقة 616: بهم أو بدونهم: بعلبك أعجوبة العجائب
(الأحد 15 تموز 2007)
لا قيمةَ علميةً لها أو تاريخيةً أو أكاديمية. إن هي إلاّ جدوى عمل إعلاني استهلاكي تجاري بَحت، من تصميم مؤسسة سويسرية تجارية، أطلقتها في مطلع سنة 2000 وطلبت التصويت عليها بالإنترنت أو بالهاتف الخلوي، فبلغ حجم التصويت من سبع سنوات حتى اليوم 90 مليون اتصال من جميع أنحاء العالم، وكان احتفال استعراضي ضخم على مسرح estadio da Luz لالوز في ليشبونة عاصمة البرتغال لإعلان نتائج التصويت الشعبي على عجائب الدنيا الجديدة السبع، فإذا هي: سور الصين العظيم، مدينة البتراء في الأردن، تمثال المسيح على قمة ريو دو جانيرو في البرازيل، أطلال قبائل إينكا عند مدينة ماتشو پيكتشو في الپيرو، مدينة تشيتشِن إتزا لقبائل المايا في المكسيك، مدرج الكولوسيوم في روما، ضريح تاج محل في الهند.
وتأتي هذه العجائب الجديدة لتحلّ مكان عجائب الدنيا السبع المألوفةِ الكانت مختارةً قبل المسيح بمئتي عام: معبد أرتيميس في إفِسُس (تركيا)، حدائق بابل المعلّقة في العراق، الضريح الملكي في مدينة هاليكارناسوس القديمة (بودروم اليوم في تركيا)، تمثال هيليوس إله الشمس على مدخل جزيرة رودُس (في اليونان)، منارة الإسكندرية، تمثال زوس العملاق على جبل الأولمب (في اليونان)، أهرامات الجيزة الثلاثة في مصر (الوحيدة الباقية حتى اليوم).
إذاً، هذه السبع العجائب الجديدة، كما قلت، لا قيمةً علمية لها، بدليل أن منظمة الأونسكو العلميةَ الرصينة كانت معارضةً هذه البادرةَ التجارية، لِما تتضمّن من تضليل للرأي العام العالمي، لأن نسق هذا الاختيار الشعبي لا يعدو كونه شبيهاً بأي برنامج حزازير أو مسابقات تلفزيونية شعبية تصويتية، على غرار ما شاهد اللبنانيون من برامج “سوبر ستار” أو “ستار أكاديمي” أو أي برنامج مماثل آخر يتم التصويت الشعبي عليه بالهاتف الخلوي أو الإنترنت فتكون للشركة المنظِّمة حصةٌ من قيمة المخابرات، ولشركة التلفزيون حصةٌ من قيمة المخابرات، وتتقاسم الشركتان الأرباح من مال الشعب الذي يصوِّت غالباً بدافع عاطفي لا علاقة له بالقيمة العلمية لموضوع المسابقة.
فليطمئن اللبنانيون الأحباء الذين فوجئوا بنتيجة العجائب السبع الجديدة أنْ ليست بينها بعلبكّ، بعلبكُّنا العظيمة الرابضةُ على صدر التاريخ بهيبة تاريخية رائعة، وبألغاز قالت عنها قبل أيام قناة “ناشيونال جيوغرافيك” التلفزيونية العلمية الرصينة أنْ لم تُفَكَّ أسرارُ هندستِها بعد.
إذاً، لا بعلبكُّ انهزّت من هذه البادرة الإعلانية التجارية الشعبية الاستهلاكية البحتة، ولا انتُقص من قيمتها الفريدة في العالم، هندسةً معمارية، وجمالاً بنائياً، وضخامةً عمرانية، وإرثاً تاريخياً، فهي في طليعة لائحة التراث العالمي مع معالم لبنانية أخرى موضوعةٍ على لائحة التراث العالمي، مكرَّسةٍ علمياً وعالمياً ولا ينافسنا عليها أحد.
بلى… فليطمئنَّ اللبنانيون، ولا ينشغلنَّ بالُهم على بعلبكّ. إن المصوّتين التسعين مليوناً لم يصوِّتوا لبعلبك، إما عن جهل بها لأنهم لا يعرفونها أو لا يعرفون عنها، وإما عن تعصب عاطفي لما يعرفونه، وفي الحالتين ليسوا هم المعيار.
بهم، وبدونهم، بعلبكُّ لبنان ليست من العجائب السبع ولا العشر ولا المئة.
إنها أعجوبة عجائب الدنيا.