الحلقة 572: لقاءات الأبواب الدوّارة
(الأربعاء 7 شباط 2007)
على مدخل بعض الفنادق الكبرى أبواب زجاجية دوارة مثلثة الأقسام، يدخل الزائر في قسم منها فيدور به الباب وقد يدخل زائرٌ ثانٍ في القسم الثاني وثالث في القسم الثالث فيدور بهم الباب حتى يخرج كلٌّ منهم من فتحة كلِّ قسم ويلتقون في بهو الفندق، وهكذا كل داخل وهكذا كل خارج، والباب يدور يدور، وأقسامه تدور، والداخلون يدخلون إلى البهو والخارجون يخرجون إلى الشارع، والباب يدور يدور، والحركة تدور بدون انقطاع.
ما علاقة هذه المقدمة بما يجري؟ العلاقة لصيقةٌ جداً وهي التالية: إذا دخل داخلٌ إلى قسم من الباب الدوّار ودخل ثانٍ إلى القسم الثاني وثالثٌ إلى القسم الثالث، وأرادوا أن يتخاطبوا فلن يستطيعوا لأن الزجاج فاصل بينهم، والباب يدور يدور، وهم يدورون يدورون ولا لقاء، يتخاطبون من وراء الزجاج ولا أحد يسمع الآخر، والباب يدور يدور وهم يدورون يدورون ولا يلتقون ولا يسمع بعضهم بعضاً ولا يبلغ واحدهم الآخر ولا يصافح بعضهم بعضاً مهما دار بهم الباب، والباب يدور يدور ولا يلتقي أحد منهم بالآخر ولا ينفتح قسم على الآخر والباب يدور يدور.
هذا هو الواقع السياسي اليوم في لبنان بين معارضة وموالاة، بين عاصِمين ومعتصمين، بين محاصِرين ومحاصَرين، بين خيمٍ في الشارع وعنتريات على المنابر، بين مَن يتمسّكون بالولد ومَن يشدُّون بالولد حتى يكادوا يشلّعون يديه وقدميه، بين مَن يريدون ومَن لا يريدون أن يريدوا، بين مَن هُم في قسم مِن الباب الدوار، ومَن هم في القسم الآخر، والباب يدور يدور، والأقسام تدور بمن فيها، لا الباب يتوقف عن الدوران ولا مَن في أقسامه يخرج مِن قسمه كي يلتقي بِمَن في القسم الآخر والباب يدور يدور والوطن يدور والمواطن عالق في الأقسام الدوارة داخ من الدوران، والباب يدور يدور، لا مَن يعمل على إيقافه، ولا مَن يخرج من قسمه ليلتقي مَن في القسم الآخر كي يلتقي مَن في جميع الأقسام إلى بَهو واحد يجتمعون فيه ويلتقون ويتصافحون ويتفاهمون فيتوقّف الباب عن الدوران ويتوقف هذا الدوران الذي يلف لبنان واللبنانيين والعالم مشغول بوقف البابِ الدوار والوطنِ الدوّار والوضعِ الدوار بلا توقُّف.
الوطن موقوف والباب يدور. الوطن موقوف ومَن في أقسام الباب الدوّار لا يلتقون طالَما لا يخرج أحد بينهم من قسمه الدوار غير الملتقي مع الآخر، كي ينتظر الآخرَ أن يخرج بدوره إلى البهو فيتصافحا ويتوقّف الباب عن الدوران.
وما دام الأفرقاء السياسيون في لبنان متمترسين كلٌّ في قسمه من الباب الدوّار، والباب يدور، والأقسام تدور ولا يلتقي قسم مع الآخر، فسيبقى الباب يدور، والوطن يدور، والمواطن يدور، ونعرف ما نتيجة الدوران على الذات: إنه الدوران حتى الدوار، ويا ويلَ وطنٍ يصيبه الدوار فيقع في غيبوبة لن يصحو منها أحدٌ إلا في غرفة العناية الفائقة التي عندئذ يجتمع فيها الموالون والمعارضون معاً، إنما لا كي يتّفقوا بل كي يخضعوا وهم فاقدو الوعي لأوامر مبضع الجراح الذي لن يرحم منهم أحداً.