571: هكذا سهرنا مع زكي ناصيف

الحلقة 571: هكذا سهرنا مع زكي ناصيف
(الأحد 4 شباط 2007)

“أفضل ما يمكن أن نتذكَّر به زكي ناصيف: أن نسمع زكي ناصيف”. بهذا الإيجاز البليغ لخص الدكتور وليد غلمية كلَّ ما يُمكن أن يقال من خُطَبٍ تقريظية تنظيرية في افتتاح الأمسية الخاصة بزكي ناصيف دعا إليها في “الـ”أسمبلي هول” “برنامج زكي ناصيف للموسيقى” لدى الجامعة الأميركية في بيروت.
ولم يقتصر دور وليد غلمية على مجرد قيادة الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، بل هو عمِلَ على الإعداد الموسيقي تقشيراً لألحان زكي ناصيف وإعادةَ كتابةٍ ناصعةً نقيةً مصقولةً أدّتها كلُّ آلةٍ بالنصاعة نفسها فخرج التصويت الأوركسترالي شفافاً لَماعاً حتى ليتمنى زكي ناصيف نفسُه أن يسمع ألحانه بهذا الأداء.
وكان جمهور القاعة رائعَ التجاوب مع فنانه الرائع فتماوجت ألحانه في ذاكرة الجمهور عذبةً حنونة، وترسّخت في وعي الخبراء جُملاً موسيقية فيها رائحة الزّعتر والطيُّون والعرعار في جبالنا، وفيها صباحاتُ الضيعة اللبنانية وناسُها الطيبون، وفيها صدحات المواويل وفولكلور لبناني رسّخه زكي ناصيف منذ منتصف الخمسينات بألحانه من الإذاعات أو على مسارح المهرجانات الكبرى بدءاً بأدراج بعلبك قبل نصف قرن.
وتذوّق الخبراء فرادة جملة زكي ناصيف الموسيقية في بساطتها وسلاستها وعمقها الميلودي ومتانة نسيجها التأليفي، حتى يُظَنَّ أنها أليفة وهي لا، أو انها سهلة وهي لا، أو انها قريبة المنال وهي لا، بل مدرسة تأليفية كانت ولا تزال عصية على التقليد.
ومع كل لحن من المقطوعات التسعَ عشْرة التي شكلت الأمسية أول أمس الخميس، عزفاً حافياً من الأوركسترا أو غناءً كورالياً مع كورس الكونسرفاتوار (القسم الشرقي)، كان زكي ناصيف يطلُّ من جديد نضراً طيباً في عفوية الكبار. وهكذا، من “طلوا حبابنا” إلى “بلدي حبيبي”، إلى “يا ليلى” إلى “أهواك بلا أمل” إلى “نقيلي أحلى زهره” إلى “دقة ودقة مشينا” إلى “عاشقة الورد” إلى “ليلتنا من ليالي العمر” إلى “مهما يتجرح بلدنا” إلى “راجع يتعمّر لبنان”، لم نتذكّر زكي ناصيف وحسب بل عشنا سُويعَتَين إلا بضع شهقات، مع هذا الكبير الذي ملأ ذاكرتَنا الموسيقية يَماماً وبلابل وحساسين، وترك لنا إرثاً سنداً يعصم مستوانا الموسيقي اللبناني من الوقوع في نُفايات ما نسمعه اليوم من صيصان المطاعم وقبابيط القهاوي وخفافيش الفيديوكليپات التي تلوّث شاشاتنا وذوقَ شبابنا وصبايانا بأحط مستويات العهر والابتذال.
زكي ناصيف: نعتذر إليك على ما وصلنا إليه، ونلجأ إلى تراثك الغنيّ الغنيّ، قدمه لنا وليد غلمية أول أمس الخميس بهياً كما كتبتَه، نقياً كما رسمتَه، وصافياً راقياً كما يليق أن يكونَهُ تراثٌ موسيقيٌّ رفيعٌ طالعٌ من قلب لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*