الحلقة 568: قبل أن يقول العالم “يا ضيعانو”
(الأربعاء 24 كانون الثاني 2007)
“ماذا ينفع المسؤولين أن يتبوَّأُوا أرفع المناصب إذا كان وطنهم يجر في عهدهم أذيال الخيبة ويسارع إلى الانهيار الكامل؟ الفريقان اللبنانيان: الموالاة والمعارضة يتشبَّثان بمواقفهما سواء أكان صواباً أم خطأً فيما البلد يتفتَّت والناسُ كادوا يكفرون بالبلد وبالمسؤولين في الموالاة والمعارضة كأنَّ الأمر أن يُظهر كلٌّ منهم أنه على حق ولو خرِبَ البلد ومات الناس جوعاً”.
بهذا الصوت الصارخ في برية لبنان اليوم، اندلع كلامُ السيّد البطريرك صفير صباح الأحد الماضي، هائلاً كعويل أنبياء التوراة، يطلق الصرخةَ الذعر، الصرخةَ الخطر، الصرخةَ التنبيه، الصرخةَ الكرباج، ليعي من لم يعِ بعد، وليفهمَ من لم يفهمْ بعد، وليتَّعظَ من لم يتَّعظْ بعد، وليستيقظَ ضمير من لم يستيقظْ ضميره بعد، أن يتدارك الجميع ما يجري كما يجري، قبل أن يسقطَ آخرُ عمودٍ في البيت فيسقطَ سقف البيت على جميع أهل البيت، ولن يعود الموت يفرّق بين مُوالٍ ومعارض، بين 14 آذار و8 آذار، بل سيهوي لبنان إلى حيث خطَّط له أعداؤُه أن يهوي فلا يعود لبنان النموذج، لبنان الرسالة، لبنان الصيغة الفريدة في هذا العالم العربي فيصبحَ لبنان كسواه توتاليتارياً شمولياً بعدما كان واحة يلجأ إليها طالبو الحرية والديمقراطية والفجر الحر.
صرخة السيد البطريرك أعلى ما يمكن أن نعطاه في هذا الزمن، صرخة خطر هي بين الخوف والغضب، وأفظع ما يطلقه سيّدٌ في الزمن الصعب أن يكون صوته بين الخوف والغضب، الخوف على الوطن والغضب على من سببوا الخوف على الوطن.
المشهدُ أمس كان فاجعاً حتى أقصى الفجيعة: كيف يمكن أن يتوحَّدَ اللبنانيون شارعاً واحداً وصوتاً واحداً بعد حرب تموز التي دَمَّر فيها بلادهم العدوُّ الإسرائيلي، ثم يعمدون هم إلى تدمير بلادهم بأيديهم وبأسوأَ مِمّا فعل القصف الإسرائيلي؟
والذين تكاتفوا وتخاصروا وتعانقوا وفتحوا بيوتهم لإخوتهم اللبنانيين في تموز الماضي واتَّحدوا ضد الخطر الخارجي، كيف يُمكن أن ينفصلوا اليوم ويتفرَّقوا ويتواجهوا ضدّ بعضهم البعض مسعورين مشحونين بالحقد، فينقسمَ الفريق الواحد فريقين متقابلين بالدواليب المحروقة والسيارات المحروقة والطرقات المحروقة، والإخوةُ في البيت الواحد جبهتين متخاصمتين، وأبناء المنطقة الواحدة والبلدة الواحدة والعائلة الروحية الواحدة جبهتين متخاصمتين في شارع واحد؟
الغضبُ الغضبُ يعلو القلوب اليوم والنفوس والأفواه والأقلام والنوايا والأصوات، الغضبُ الذي بدأ يستشرف اليوم صوتاً في العالم، صوتاً آسفاً في العالم متحسِّراً لائماً عاتباً على أهل البيت صارخاً لهم: “أيها اللبنانيون، إسمعوا وَعُوا، عندكم بلد لا تعرفون أن تحافظوا عليه وتكادون تخسرونه. يا ضيعانو”.