الحلقة 562: جاؤوا وعادوا… فهل سيرجعون؟؟؟
(الأربعاء 3 كانون الثاني 2007)
تسنّى لي، خلال فترة الأعياد، أن ألتقي عدداً من شبابنا الذين جاؤوا من مَهاجِرهم القريبة والبعيدة يُمضُون أيام الميلاد والأضحى ورأس السنة بين أهلهم وأصدقائهم في الوطن. وتسنّى لي أن أسمع عن آخرين لم يأتوا لأنهم لم يجدوا مقعداً في طائرة، أو لأنهم رفضوا المجيء في هذه الأوضاع كي لا يروا أو يسمعوا أو يعاينوا أو يعانوا.
أشيحُ عمن لم يأْتوا، وقلبي مع الذين أتوا. فماذا رأَوا؟ وماذا سمعوا؟ وإذا كانوا – عبر الشاشات لديهم في الخارج حيث هم- يتابعون ما جرى ويجري، فماذا عاينوا هنا؟ وماذا سمعوا؟ ومِمّن سمعوا؟ وما الذي عانَوه مِما عاينوه؟
وهل المشهد اليوم في البلد، وفي العاصمة، وفي وسائل الإعلام، مشجِّعٌ لهم كي يظلَّ عندهم، وهم في الخارج، حنينٌ للرجوع إلى لبنان؟ وما شاهدوه من نماذج سياسيين يُطِلُّون يومياً على الشاشات، ومن وراء ميكروفونات الإذاعات أو المنابر السياسية، هل هو مشجِّعٌ لهم كي يُؤْمنوا بأنَّ وطنهم سائرٌ بأمانٍ إلى بر الأمان، وسينجو من أنواء العاصفة المجنونة؟
وإن كان الخلافُ اليوم بين موالاةٍ ومعارضة، بين حكومةٍ تعمل واتجاهاتٍ سياسية تناهضها، أفليس في البلدان التي يعيش فيها شبابُنا موالاةٌ ومعارضة، وحكومةٌ ومناهضون؟ ولكن البلدان التي يعيش فيها شبابُنا تشهد أيضاً حركاتٍ مواليةً حكومتها وحركاتٍ مناهضةً حكومتها، إنما ضمن معاييرَ ومقاييسَ وأُسُسٍ وقاموسِ احترام ونقد معارض بنّاء ودفاع هادئ بنّاء، من دون الانحدار المزري المعيب إلى دفاعٍ اتّهاميّ انفعالي، أو إلى اتهام تحريضيٍّ شتّام.
شبابُنا في الخارج: مَن يعيشون منهم في دول توتاليتارية، يرفضون ما يجري عندنا حتى ولو خرج عن منطق التوتاليتاريات حيث هم، ومن يعيشون منهم في دول ديمقراطية فعلاً، يرفضون ما يجري عندنا لأنه خارجَ كل منطق ديمقراطي، وخارج كل احترامٍ حرية الآخرين، وخارج كلِّ معيار للحفاظ على الوطن وأسسه ودستوره وبُنيته التحتية وبُنيته الفوقية واقتصاده ومصالح أبنائه ومتانة عملته الوطنية ومستقبل أبنائه فيه أو أمل رجوع أبنائه من الخارج إليه.
شبابُنا في الخارج، بعودتهم إلى أيام العطلة في الوطن، ماذا يحملون معهم وهم يعودون، من مشاهد الشاشات التلفزيونية وبرامج الإذاعات، التي تحوّل بعضها، بشاشاته وميكروفوناته، متاريس إعلامية ومنابر شتم ودفاع، وشتم مضاد ودفاع مضاد، حتى بات معظم اللبنانيين يشيحون عن هذه الشاشة أو تلك الإذاعة، كي لا يروا هذا الوجه أو كي لا يسمعوا ذاك الصوت.
شبابُنا في الخارج، من جاؤُوا وعيَّدوا بيننا وعادوا إلى حيث يعيشون، قلبي معهم لِما عاينوا وعانوا، وقلبي عليهم أن يكونوا جاؤوا إلى هنا وعادوا من هنا، وفي بالهم ألاّ يرجعوا إلى هنا، أقلَّه في هذا الزمن المنظور.