الحلقة 551: قبل أن تحترق سدوم اللبنانية
(الأحد 19 تشرين الثاني 2006)
قالت: “عبثاً تصرخ وتكتب وتقول، فإنهم لا يتأَثَّرون”. عبثاً مقالاتُك في “النهار” وحلقاتك في “صوت لبنان” عن السياسيين، فإنهم لن يرتدعوا”، وعبثاً تُخاطب الناس فإنهم مصطفُّون اصطفافيُّون منقادون إلى أسيادهم السياسيين”.
يا عزيزتي: لم أكتب يوماً كلمةً للجريدة أو للإذاعة، وفي بالي أن يقرأَ السياسيُّون أو يتأثّر السياسيُّون أو يغيِّرَ خَطَّهُمُ السياسيُّون، فلهؤلاء مشاريعُهم وخِططُهم وانتماءاتُهم وولاءاتُهم وتَحالفاتُهم وانضواءاتُهم واصطفافاتُهم داخلياً وخارجياً.
أكتب، يا عزيزتي، حين أكتب للجريدة أو للإذاعة، لأخاطب شعبَنا، شعبَنا الطيِّبَ المغلوبَ على أمرِه وواقعِه وعيشِه اليوميّ وهربِ أولاده إلى أقرب سفارة وأبعد دولة من دون أمل حاليّ بعودتهم القريبة وربما البعيدة وربما استحالةِ هذه العودة.
أكتب لأبناء شعبنا الذين مش صحيح أنهم جميعُهم اصطفافيون أتباعٌ قطعانيون يديرهم “ريموت كونترول” هذا الزعيم أو ذاك القائد أو ذلك السياسي. فهؤلاء الاصطفافيُّون الأتباعُ القطعانيُّون، مهما بلغوا الآلاف وآلاف الآلاف، ليسوا أكثريةَ شعبنا الذي أكثريَّتُه الحقيقيَّة لا تزال في البيت أو على الحياد وتراقب وتحزن وتغضب وترفض أن تكون حبوباً في مسبحة السياسيين، وتأسف أن ترى القسم الآخر من شعبنا انْحيازياً اصطفافياً منقسماً فئاتٍ وأفرقاءَ وصفوفاً وراء هذا أو ذاك من سياسيين انفعاليين شخصانيين يُحرقون البلد لإشعال سيجارة أو يقدّمون أولادنا حطباً على محرقة عنادهم السياسيّ.
أكتب لأقول ما لا يستطيع أن يقوله الناس عما يرونه فاجعياً في صفوف شعبنا، وعما يتابعونه في صفوف الجامعات حيث أولادُنا الطلاب مهيَّأُون بشرارةٍ واحدة إلى إشعال البلد من دون مسؤولية ولا احتساب عواقب تقسيمهم إلى موزاييك سياسي، وعن وقوفهم مقابل بعضهم البعض في باحات الجامعات وربما في الصفوف بعدما تسمَّمت أجواء الجامعات وانفسدت بهذا الاصطفاف السياسي وراء زعماء سياسيين، ما يجعل الجامعة متاريس سياسية لا واحاتِ علم ومعرفة وتحصيل أكاديمي.
أكتب ليتنبَّه شعبنا إلى أننا سائرون إلى سدوم لبنانية ستُحرقُها نار السياسيين بكبريت السياسيين وعند اندلاع الحريق سيكونون بعيدين عن الخطر فيحترق أبناؤنا وأهلنا في النار والرماد والدمار.
أكتب لأصرخ باسم الناس الذين لم يعودوا يقتنعون بما يسمعون، الذين يزداد في صمتهم الغضب والقرف، الذين يوحّد بينهم الرغيف المهدّد، وتوحّد بينهم الليرة المهدّدة، ويجمع بينهم خوف على مستقبل سيهجّر أولادهم من الوطن حتى يصبح الوطنُ ساحةً لأشباح السياسيين، بعدما يكون هجرها أبناؤها الشباب وغاب عنها الدم الحي.
أكتب ليعي المواطنون أن التلهّي بمناقشاتهم حول الثلث المعطّل والمحكمة الدولية والشارع والشارع المقابل، هو انجراف إلى الهاوية، وإذا كان صحيحاً أن هذا لن يغيّر في المسار، فالصحيح أيضاً أن الوقوف في وجه السياسيين يغيّر في المسار لأن السياسيين،من دون اصطفاف أزلامهم وراءَهم، لا يعودون بهذه الحدة التي نشهدها اليوم بين متراس ومتراس، بين زعيم وزعيم، بين فعْل انفعالي ورَدَّة فعْل انفعالية، قبل أن تشتعل النار في سدوم اللبنانية وعندها لن تُبقي أحداً خارج رمادها حتى السياسيين.