الحلقة 550 : اهتمامات السياسيين وفجيعة الصرخة الاقتصادية
(الأربعاء 15 تشرين الثاني 2006)
بلى: ليست أقلَّ من فجيعة. لم يَعُدْ نداءً. لم تَعُدْ صرخة. لم تَعُدْ مأساةً. لم تَعُدْ حالةً مُلِحَّة. صارت فجيعة. صارت فاجعةً بلغ التعبيرُ عنها حَدَّ الهول.
صفحةٌ كاملة من الجريدة، نهار السبت الماضي، صرخَت لهم، لضميرهم، لاجتماعهم، للقائهم، تشاوُراً سَمَّوه أو حواراً، تفاهُماً سَمَّوهُ أو تَناقُشاً. ولم يحدُثْ قبلُ أن انفلشَت الصرخة الاقتصادية على صفحة كاملة من جريدة، لا لدَقّ ناقوس الخطر بل لإطلاق انفجار الصرخة في وجه من ينصرفون إلى حواراتٍ حول طاولة اجتماع، والى تصاريحَ بعد طاولة الاجتماع، والى أحاديثَ في برامج الـ”توك شو” السياسية، إذاعيةً أو تلفزيونية، فيما مؤشّر البورصة يصرخ أن الأسهم في بورصة بيروت تهبط، وترتفع الفائدة بين المصارف، وفيما تصرخ جميع الدلائل للإشارة إلى ازدياد نسبة البطالة ونسبة الهجرة ونسبة الفقر ونسبة اللعنة والقرف والغضب في صفوف الناس.
ومن أصحابُ الصرخة؟ إسمعوا: جمعية التجار، جمعية المصارف، الهيئات الزراعية، اتحاد العمال، جمعية الصناعيين، غرف التجارة والزراعة والصناعة في بيروت وزحلة وصيدا وطرابلس، الندوة الاقتصادية اللبنانية، تجمُّع رجال الأعمال، جمعية تجار بيروت، غرفة التجارة الدولية، نقابة أصحاب الفنادق، نقابة أصحاب المرافق السياحية، نقابة المقاولين، يعني… يعني العمال وأرباب العمل، يعني… يعني: ومن يبقى في البلد ولم يصرخ بعد؟
مع هذا، مع كل هذا، يجد بعض السياسيين وقتاً ومنْفذاً، ووجهاً لهم يطلون به على الناس لعرقلة هنا، أو فتوى سياسيةٍ هناك، أو مكسبٍ شعبي هنالك.
الناس لم يعودوا يحتملون. وإذا كان من نزول إلى الشارع، فكما نزلوا قبلاً لتحرير لبنان من القوى غير اللبنانية، فقد ينْزلون هذه المرة إلى الشارع لتحرير لبنان من قوى لبنانية تهجّر لقمة الخبز وتهجّر أولادنا وتهجّر البورصة وتهجّر الليرة اللبنانية، وتهجّر الأمان من وطن لا يصطلح سياسيوه على رأيٍ حتى ينقضه سياسيون آخرون، إلى أن جعلوه وطناً متأرجحاً مترنّحاً على هاوية السقوط أو على خط الزلازل.
إذا كان من نزول إلى الشارع، فلن يكون قطعانياً لتلبية هذا أو ذاك من السياسيين، بل تلبيةً لفجيعة الهيئات الاقتصادية التي هي هي تمثّل الشعب اللبناني كلّه بدون موالاة ولا معارضة، والتي هي هي ستقتحم الباستيل اللبناني فتقلب الطاولة على من لديهم الوقتُ بعدُ لاجتماعات حوار وتشاور، والتي هي هي ستؤرّخ للبنان زمانَ الغضب والتغيُّر.