الحلقة 542: فاجأنا هذه المرة… فهل سيفاجئنا كل مرة؟
(الأربعاء 18 تشرين الأول 2006)
لم تُفاجئ المواطنين السيولُ التي اجتاحتهم نهار الأحد الماضي وحاصرتهم وسط بحيراتٍ مرعبة موحلة هائجة غاضبة وهم يشاهدون السيول تنهال على الطرقات وتعجز مصارف المياه عن تهريب المياه إلى مجاريها، لأن مجاريها مكدسة بالمسدودات من أيام الصيف ولا من يتنبَّه إلى فتحها قبل مفاجأة المطر.
قلت: لم تفاجئ السيولُ المواطنين. كانوا متحسبين لها ولو تأخرت الشتوة الأُولى أسابيع عن موعدها الطبيعي. لكنّ الذي لا يزال يفاجئ المواطنين كلَّ شتوةٍ أولى ومع مطلع كل شتاء: لماذا ليس في الدولة تدابير استباقية احترازية تتنبه إلى مفاجأة المطر الآتي ذات يوم، فيتمُّ تنظيفُ المجاري وتهيئتُها لاقتبال الشتوة الأُولى التي قد تكون عنيفة وغزيرة وتحتاج مجاري مفتوحةً لتصريفها فلا ينحبس المواطنون في بحيرات المياه ويتأخرون عن أعمالهم ومواعيدهم وليس في وسعهم إلاّ شتمُ المقصِّرين.
نفهم انشغال الدولة بالوضع السياسي والأمني الراهن الحاضر الخطِر الدقيق المصيري في هذه الأيام. لكنَّ الدولة دولتان: شقٌّ يهتم بالسياسة والأمن، وشقٌّ يهتمُّ بإدارة شؤون المواطنين. وإذا كان الشقُّ الأول يقوم بما عليه سياسياً وأمنياً ودبلوماسياً في قيادة البلاد إلى أمنها وأمانها، فما تبرير أن يقصّر في الدولة الشقُّ الآخر المتعلق بشؤون المواطنين؟
هيبة الدولة لا تكون بتصاريح أركانها أنهم يعملون على تثبيت دولة قوية متينة، بل هيبة الدولة تكون بحضورها بين المواطنين، على طرقاتهم، في شؤونهم، في اقتصادهم وتصريفِ أمورهم وتأمين حقوقهم وإيصال مطالبهم إليهم، ومن أبسط هذهِ تأمينُ طرقات لهم ليست في الصحو جلالي بطاطا وليست في المطر بحيراتٍ معيقةً وأفخاخاً قاتلةً وعذاباً يومياً مضنيَ العقاب.
وتأمين أمن الطرقات يكون بحضور رجال شرطة السير بكثافة فاعلة لا بأكسسوار كومبارسي معنوي رمزي يكون فيه الشرطي وجوداً غير فاعل. مهمّة شرطي السير أن تكون له سلطة رادعة معاقبة لا مجرد تصريف السير بإشارة استلشاقية من يده لتمرير هذا الصف أو ذاك الصف من السيارات، وهو عمل تتكفل به إشارة سير كهربائية عادية. مهمة شرطي السير أن يكونَ رادعاً ذا سلطةٍ تخوله تنظيم محضر بالمخالفين، ومعاقبةَ الوقحين وحجز رخص القيادة أو إرسالهم إلى المراجع المختصة للاقتصاص منهم، تماماً كما يحصل في دول راقية يتهيَّب فيها السائقون شرطي السير فيرتدعون عن مخالفات.
وطالما لا يزال حضور الدولة معنوياً على الطرقات، فسيبقى الخطر مادياً جداً وستبقى الفوضى مادية جداً، ولن تُقنعَ الدولةُ أحداً بِهيبتها طالما لا تزال بعيدةً عن المواطنين. وأقرب حضورها أن تكون حاضرةً على الطرقات التي داهمها المطر مرةً من يومين، ونأمل ألاّ يظلَّ يداهِمُها كلَّ مرّة.