الحلقة 541: جمهورنا المتزايد إلى الموسيقى الكلاسيكية
(الأحد 15 تشرين الأول 2006)
لم يعُد جديداً حديثُنا عن الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية وأثرِها وفعلِها في الناس والنضجِ الرائع الذي بلغتْه عزفاً وتصويتاً وانسجاماً، وأداءً بات يبهر قادةَ الأوركسترا الضيوفَ الذين يقودونها ويعجبون بأدائها العالي العالمي الاحتراف.
ولم يعُد جديداً حديثُنا عما توسّعه من جمهورٍ في أوديتوريوم بيار أبو خاطر مع الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية، أو في كنيسة القديس يوسف في الجامعة اليسوعية للأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية.
ولم يعُد جديداً تأكيدُنا وتكرارُنا على الدور الرئيس الذي يؤديه وليد غلمية، مؤسس الأوركسترات اللبنانية: السمفونية والشرقية والحجرة، في تأسيسه لجمهور لبناني يتهافت أسبوعياً لا على الحضور بل على الإدمان الأسبوعي لحضور هذه الأمسية الموسيقية أو تلك، في تزايُد ملحوظٍ بين أمسية وأمسية.
ما قد يكون جديداً قولُه اليوم، ما لاحظناه أمسيةَ الجمعة، أول أمس، بوجود عائلاتٍ بين الجمهور، محتضنةٍ أولادَها ومصطحبةٍ إياهم لحضور الأمسية الرائعة التي قادها الفرنسي المبدع آلان باريس، وتألّقت فيها عازفة الكمان آن صوفي لو رول، الصبية بنتُ الستة عشر ربيعاً، سحرت جمهور الأمسية بذوبانها كلِّها جسداً متمايلاً مع قوس الكمان.
بلى، الجمعة أول أمس كان بين الحضور عددٌ غيرُ قليل من الأولاد في نهاية العقد الأول ومطلع العقد الثاني من عمرهم، جالسين بكل انتباهٍ إلى حركة قائد الأوركسترا، إلى حركة الموسيقيين، إلى صوت الأوركسترا، إلى إصغاء الناس حولهم، إلى تصفيق الناس عند نهاية كل مقطوعة فلا يقاطعون المقطوعة بالتصفيق الجاهل، ولاحظتُ بين الأولاد من يقرأ في البرنامج بين أيديهم النبذةَ المختصرة عن كل مقطوعة سيسمعونها، كي يتابعوا قصتها أو قصة الموسيقي واضعِها، أو ظروفَ وضعها، فيتذوقوا، أكثر، كيف ترجم الموسيقي تلك الحالة أو ذاك الحدث إلى فعل موسيقي خالد.
هذا الحضور “الأولادي”، وعّاني على أسف أكبر: ألاّ يكون أولادٌ أكثر يحضرون هذه الأمسيات السمفونية الرائعة، كي يثقّفوا ذوقهم الفني، ويهذِّبوا ذائقتهم الجمالية، ويكبَروا على مناخٍ عالٍ يغلّفهم بالثقافة العالية والفكر الناضج السليم.
من هنا ندائي إلى الأهل في لبنان، إلى مدراء المدارس في لبنان، أن يجيئوا بأولادهم وتلامذتهم إلى هذه الأمسيات الموسيقية كي يعتادوا، منذ سنواتهم الطرية، على العالم الموسيقي النقي النظيف، فيبتعدوا من جهةٍ عما يسمعونه من أغنيات تافهة سخيفةٍ تفسد ذوقهم وعقلهم، ويبتعدوا من جهة ثانية عن الانقياد غداً أغناماً ببَّغائيةً وراء قادة أو زعماء أو سياسيين يقودونهم إلى مهرجانات سياسية تهييصية، ويجعلوا أولاد لبنان حبوباً في مسابحهم، أو حطباً في مواقدهم، أو قطعاناً يقودونها إلى هذه الساحة أو ذاك المهرجان أو ذلك الاحتفال، ويجعلون من أكتاف أولادنا الطرية مطايا سياسيةً يتصايح منها السياسيون على بعضهم البعض، فيصبحُ أولادُنا متاريسَ بشريةً للسياسيين.