539: خمسينية مهرجانات بعلبك والأوركسترا السمفونية اللبنانية
(الأحد 8 تشرين الأول 2006)
كانت لائقةً ورائقةً وشائقةً فكرةُ لجنة مهرجانات بعلبك الدولية التعويض عن الاحتفالات بخمسينية تأسيس المهرجانات سنة 1956 بأمسية أول أمس الجمعة في قصر الأونسكو، فكانت أمسيةُ افتتاح الموسم الموسيقي الكلاسيكي هذا العام، اختتامَ موسم بعلبكي أعاقته حرب تموز عن التحقُّق فأتاحته لمهرجانات بعلبك الدولية أمسيةُ الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية بقيادة مؤسسها الدكتور وليد غلمية الذي يعتبر – وكم معه حق – بأنْ لا أحدَ صنع مجد بعلبك، بل هي التي، بمهرجاناتها منذ نصف قرن، صنعَت مجد كثيرين مِمّن باتوا اليوم أعلاماً في عالَم الإبداع اللبناني، كما يعتبر وليد غلمية -وكثيراً معه حق- بأنّ مهرجانات بعلبك الدولية صنعت نهضة الفن العالي في لبنان، وأوسع: في هذا الشرق، وأوسع: سجّلت محطاتٍ مضيئةً لافتةً مُميَّزةً لنهضة الفن الراقي في العالم، مع مبدعين عالميين كبار يُحيطون بِهالةٍ من نورٍ مشاركتَهُم بأمسيةٍ لهم على أدراج بعلبك.
ومن الفيلم الوثائقي الذي وقّعه صاحب “البوسطة” المخرج الموهوب فيليب عرقتنجي عن أبرز مَحطات خمسين عاماً من مهرجانات بعلبك، تَذكّرنا كم من عمالقة كبار مروا على أدراج بعلبكِّنا العظيمة وصنعَت لهم إضاءةً على مَجدهم جديدةً وسجّلوا مرورَهم في لبنانَ الذي عهدئذٍ كان يستقطب كبار أعلام الإبداع في العالم مسرحاً ورقصاً وموسيقىً وغناءً بأيّما إبداع.
واختار وليد غلمية لأمسية أول أمس الجمعة ريبرتواراً مُمتازاً نفّذه باحترافيته العالية ونفّذته الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية التي بلغت نضجاً رائعاً ومهنيةً فائقةً واحترافيةً عاليةً تَجعلها في الصدارة أو في صدارة الأوركسترات السمفونية في الشرق وفي العالم.
ومرةً بعد مرة، يَثْبُتُ أنّ طائر لبنان الذي يقوم من الدمار إلى العمار هو الطائرُ الذي يقوم من الصراع إلى الإبداع، من صراع “بيت بوسياسة” على مصالحهم المشخَّصة والشخصية والشخصانية إلى إبداع اللبنانيين من أهل الثقافة النقية والفن الراقي لاسترجاع اللبنانيين من خوفهم، بسبب السياسيين، على مصيرهم ومستقبل أبنائهم، إلى طمأنينتهم على أن لبنان يستعيد ألقه الإبداعي على خارطة العالم بفضل مبدعين لبنانيين يسجّلون عناداً في إثبات عبقرية لبنان الريادية التي لا تطفئُها نار صراع سياسي، ولا تَمحوها مهرجاناتٌ تَهييصية سياسية هنا وهناك وهنالك.
للجنة مهرجانات بعلبك الشكرُ على تاريخ بعلبكِّنا الناصع، ولوليد غلمية التحيةُ على ما يقوم به من أجل تنصيع صورة لبنان الإبداع، وللّبنانيين قاصدي أمسيات الأوركسترا السمفونية اللبنانية وفاؤُنا الذي يُحيِّيهم فرداً فرداً على ولائهم للبنان الإبداع رغم كل الرّماد المقلق الذي يَذُرُّه في قلوبهم معظمُ السياسين في لبنان.