الحلقة 538: … وعاد الجيشُ حقاً سياجَ الوطن
(الأربعاء 4 تشرين الأول 2006)
طويلاً بقِينا نُردِّدُها، ونكتبُها يافطاتٍ وشعاراتٍ في مناسبات أعياد الجيش، ونُلقِّنُها لأولادنا ونشرحُها ونُقنعُهم، ونعطيها فروضاً لتلامذتنا كي يتوسّعوا بها ويتعمَّقوا بمعانيها: “الجيش سياجُ الوطن”. ونروح نقنعُنا بهذا السياج الذي يحمينا، ونكتب قصائدنا عن هذه الحماية، عن سهر جنودنا البواسلِ كي ننامَ نحن هانئين، وعن دفاع جنودنا الأبطال كي نبقى نحن آمنين.
ثم جاء وقتٌ، في ثلث القرن الأخير، اهتَزّت هذه الصورة، إن لا على الأرض، فعلى الأقل في أذهان بعض المواطنين، حين راحت أمواج سياسية مأجورةٌ تعلو فوق الأرزة المقدسة على جبين الجندي اللبناني البطل. وعملاً بمقولة أنْ “ما دخلت السياسةُ على أمرٍ إلاّ أفسدتْه”، لم تفسد الجيش طبعاً (فهو أبقى وأقوى وأمنع) لكنها أفسدت بعض الصورة في أذهان المواطنين، وزاد تلك البلبلةَ في الأذهان تَنَطُّحُ بعض السياسيين إلى التجريح بجيشنا الرائع والتشكيك بقدراته على حماية سياج الوطن.
حاصلُه! ما لنا وللماضي، فلندْفِنْهُ مع ذاك الماضي القاتم، ولنترفَّع عن قاموس بعض السياسيين الموهوبين بأمور كثيرة، منها نكْأُ الماضي كلَّما “دق الكوز بالجرّة” استدراراً لغرائز مَحاسيبهم وأزلامهم والأولياء والمصفّقين التهريجيين الببّغاويّين.
ما لنا وللماضي، يكفينا أن جيشَنا خرج منه، كما نعرفه، كما ننتظره، كما نحبُّه: عالي الجبينِ نقيَّهُ، تتلألأُ على أعلاه أرزةُ لبنانَ الخالدةُ بخلود أرضنا وشعبنا وتراثنا وجيشنا الرائع.
وها هو اليوم عاد، كما من قبلُ عاد، كما قبلَ اهتراء التدابير السياسية، كما قبلَ بروز مخالب النوايا السيئة المتآمرة أو المتواطئة أو المنساقة غبائياً، كما قبل موجات التشكيك، عاد جيشُنا العظيم سياجَ الوطن، عاد حقاً سياجَ الوطن، عاد فعلاً سياجَ الوطن، ووقف قائدُه العماد سليمان وِقفةَ بطولة وفخر واعتزاز، على تلة اللبّونة، يرفع يمينه إلى أرزة لبنان على قبَّعته المقدسة ويحيِّي علمَ لبنان المرتفعَ إلى فوق، إلى سماء لبنان الوسيعة، إلى قمة القمم، إلى مثلث جيشنا الرائع: “شرف، تضحية، وفاء”.
بلى: ها هو عاد. سياجَ الوطن عاد. كرامةَ الشعب عاد. حمايةَ الشرف عاد. وعاد شعبُ لبنان يتظلَّل اثنتين: أرزةَ لبنان، والأرزةَ على جبين جيش لبنان.
جيشُنا عاد، وسْط دموع الفرح والغبطة والفخار والاعتزاز والطمأنينة من شعب لبنان، وخصوصاً من شعبنا الصامد الرائع في جنوب لبنان المقدس، عاد يبسُط ظلَّ الأمان على كل شبر من أرض لبنان، فلا يتدنّس بعدَ اليوم بجزمة عدوٍّ أو مُحتلّ، فتتقدَّس كلُّ حبةٍ من تراب لبنان بظل جنديٍّ من لبنان يحمل على جبينه أرزة لبنان.
الجيشُ سياج الوطن؟ فلنُردِّدْها اليوم أعمقَ من قبل، ولنكتبْها شعاراً في قلوبنا قبل اليافطات، ولنُعطِها فروضاً لتلامذتنا مع أول دخولهم بعد أيام، كي يفتتحوا عامَهم الدراسيَّ باعتزازِ أنَّ لهم جيشاً رائعاً، هو فعلاً وحقاً ونهائياً: سياجُ لبنان.