الحلقة 492: السياحة بين الصور واليافطات والشعارات
(الأربعاء 26 نيسان 2006)
كان حريصاً أن يجوّل خطيبته الأجنبية في بيروت، فخوراً بعاصمته التي كم أخبرها عنها وهو هناك، في بلادها، وعن تاريخها العريق ومجدها الغابر. ولاحظ أنها مأخوذةٌ، أكثر ما تكون، باليافطات فوق الطرقات والنواصي والشوارع وعند مفارق الطرق، أكثر مما كانت مأخوذةً بما يشرحه لها من مدنية وتمدن ومدنيات، لم تكترث لها كثيراً بعد الذي لاحظته من سائقين يرمون أعقاب السجائر على الطريق من نوافذ السيارات، ومن عدم احترام السائقين الإشارات الحمراء، ومن زبائل في الشوارع يتعمد الناس رميها مع عمال النفايات والتنظيفات يملأون الشوارع.
بعد بضعٍ من جولة، لم تعد تحتمل. سألته أن يترجم لها ماذا على هذه اليافطات الكبيرة، وماذا في هذه الشعارات المكتوبة على الحيطان، ومن هم أصحاب الصور الكبيرة والمتوسطة تملأ حيطان البيوت والمحال والشوارع.
وحين أخذت تتلقى أجوبته عن الشعارات السياسية والدينية، واليافطات المليئة عبارات مدح وتعظيم وتفخيم بأشخاص أو سياسيين أو رجال غير دنيويين، وعن أصحاب الصور من رجال السياسة في معظم الأحياء والشوارع، فاجأته بسؤال: “ما رأي الناس بهذا المستوى من إثارة الغرائز السياسية والدينية والطائفية والفئوية؟”، فلم يملك إلاّ أن يُجيبها بأن الناس منقسمون بحسب اليافطات: ناس مع هذه اليافطة، ناس مع تلك اليافطة، ناس مع هذا الشعار، ناس ضد هذا الشعار، ناس مع هذه الصورة، ناس مع تلك الصورة، وناس يرفضون اليافطات والشعارات وأصحاب الصور لأنهم يرفضون أن يكونوا أغناماً في قطيع، أو أن يكونوا حبوباً في مسابح زعماء الطوائف والقبائل والعشائر والمزارع، لذا لا يقرأون هذه اليافطات ولا ينقادون وراء هذه الشعارات ولا ينظرون إلى أصحاب الصور.
وحين سألته إن كانت هذه الشعارات واليافطات والصور تبقى إلى الصيف وموسم السياحة يتكل على سياح لا تهمهم هذه الشعارات واليافطات والصور، أجاب مبهماً لأنه يعرف موقف السياح من موقف خطيبته، وأنهم يغادرون لبنان وهم يرددون: يا ضياع هذا البلد الساحر الطبيعة في من يتولون شؤون الناس فيه ومستقبل السياحة!