الحلقة 486: أيها اللبنانيون انصرفوا إلى أعمالكم
(الأربعاء 5 نيسان 2006)
اجتمعوا. أجّلوا. اتفقوا. اختلفوا. تصافحوا. ابتسموا. عبسوا. تغدوا معاً. وقفوا معاً. تصوّروا معاً. تصايَحوا. هَدَأُوا. صرّحوا. تهاجموا. تجاذبوا. تباعدوا. تقاربوا. هدّدوا بفرط الاجتماع. دخلوا معاً إلى الاجتماع. قالوا في الاجتماع ما عادوا فقالوا عكسه في برامج الـ”توك شو” على شاشات التلفزيون المحلية والأرضية والفضائية. أبدوا حرصهم على الوطن أمام كاميرات المصورين في الوطن. نشروا غسيل الوطن أمام كاميرات الآخرين خارج الوطن. والناس… الناس يراقبون. يتابعون. من الإذاعات يتابعون. أمام شاشات تلافيزهم يتابعون. على صفحات الصحف يتابعون. جميعهم يتابعون: رجالَ أعمالٍ، مصرفيين، أَصحاب مهن، نساءً، رجالاً، طلاباً، ويتداولون: في مجالسهم يتداولون. إلى طاولات المطاعم يتداولون. في سهراتهم ولقاءاتهم واجتماعاتهم يتداولون. لهذا السياسي ينتصرون. على ذاك السياسي يختلفون. من أجل ذلك السياسي يتخاصمون. ويحكون ويحكون… وتمضي ساعاتهم وأيامهم وأَسابيعهم وأشهرهم وهم يتابعون ويتداولون. والشوارع تكتظُّ بصور السياسيين ولافتاتهم وأقوالهم والانتصار لهم بيافطاتٍ ولافتاتٍ وشعارات على الحيطان والشجر.
أُفّ!!! وطنٌ بكامله موقوف على نبض السياسيين. والناس يتابعون تحركات السياسيين. والناس لا حديث لهم إلا الانقسام على مواقف السياسيين. وطن بكامله بات مختبراً لردود الفعل على حضرات السياسيين. وطن بكامله واقف على محطة الانتظار بانتظار قرارات السياسيين. والسياسيون آخذون وقتهم في الاجتماع والتأجيل والتباحث والتداول والتشاوُر، والوطن الـ بكامله واقف بانتظارهم واقفةٌ فيه مصالح الناس ومصائرهم وليالي قلقهم على المستقبل.
فيا أيها اللبنانيون، دعوا السياسيين لأعمالهم، وانصرفوا إلى أعمالكم ومصالحكم ومهنكم ووظائفكم ومدارسكم وجامعاتكم. الوطن الذي يتوقف نبضه على إيقاع السياسيين مهدَّدٌ بالشلل النصفي ثم الشلل الكلي وعندئذٍ لن ينفع له خطاب سياسي هنا أو موقف سياسي هناك. كفاكم التسمُّر أمام شاشات التلفزيونات لتتابعوا تحركات السياسيين وتجاذباتهم و”توك شو”اتهم. وانصرفوا إلى مستقبلكم فلن ينفعكم الانجرار وراء نجومية السياسيين. إن النجومية الحقيقية هي التي تحمل إلى أولادكم رغيف المستقبل، ولا مستقبل لكم في تجميد أيامكم بانتظار أيام أفضل يعدُكم بها… هؤلاء السياسيون.