الحلقة 481: هيبة الدولة في التنفيذ لا في القرارات
(الأحد 19 آذار 2006)
طالعتنا أخبار مجلس الوزراء هذا الأُسبوع بمقررات لفتنا منها قرار تطبيق القانون على ثلاث مخالفات: حزام الأمان في السيارة، التحدُّث بالخلوي أثناء القيادة، والقيادة في حالة السكْر. وبمقدار ما هللنا لصحوة الدولة على هذه المخالفات التي كم تُسبِّب على طرقاتنا من حوادث رعناء تنتهي غالباً بمأساة، عُدنا فضبطنا تهليلنا للّبن من كثرة ما كوانا وهو حليب.
فكم قرار اتخذته الدولة منذ سنواتٍ وسنوات، بقي حبراً على ورق بدون تطبيق ولا أداة تنفيذ على الأرض. وكم مرةٍ نكون على نواصي طرقاتنا أو مفارقِها أو تقاطعاتها ونرى بوليس السير ساهياً هائماً تائهاً، أو يتحدث بالخلوي، أو يأكل السندويش، أو يدخن سيجارة، أو يلعب بالمسبحة، أو منتحياً بصديق له جانباً يتحدث معه تاركاً أرتال السيارات متداخلة. فكيف يمكن هذا النوع من شرطة المرور أن يضبط وضعاً شاذاً أو مخالفةً زجر بها مجلس الوزراء؟
ودولتنا الشوساء التي تتعنتر باتخاذ القرارات الثلاثة، حبذا لو تستدرك مخاطر أخرى على الطرقات، كالمطبات المفاجئة، أو الحواجز الإسمنتية المفاجئة بلا أضواء فوسفورية منبهة، أو الفواصل الحجرية المفاجئة القاتلة عند الاصطدام بها، وهذا النوع من الحوادث يتكرر يومياً.
ثم ماذا عن مخالفات المرور على الضوء الأحمر تحت أنف البوليس، أو الوقوف في مكان ممنوع على مرأى من البوليس، أو تجاوز السيارات زيكزاكياً أمام البوليس، أو العبور بسرعة مجنونة من حد البوليس، فأية هيبة لهذا البوليس على السائقين حين هو مثلُ خيال الكروم لا يخيف العصافير لأنه بلا سلطة ولا هيبة ولا فعالية!
فيا دولتنا الشوساء، ليست العبرة في اتخاذ القرارات على طاولة مجلس الوزراء، بل في تنفيذ هذه القرارات ميدانياً على الأرض، ليس بهذا الطقم من شرطة السير بل بتأهيل هذا الطقم وإعطائه صلاحياتٍ قاسيةً لتنظيم محاضر المخالفات، وإلاّ ستبقى قرارات مجلس الوزراء بلا هيبة لأنها حبر على ورق، وستبقى الفوضى على الطرقات بلا رادع لأن هيبة الدولة مفقودة، وستبقى المخالفات سبباً لحوادث وميتات مجانية طالما بوليس السير على الطريق لا يخيف أحداً، مثلما خيال الكروم لم يعد يخيف الطيور التي تغزو مواسم الكروم.